وزير الداخلية باقٍ ... والحر تكفيه الإشارة

أحمد الجارالله

25-06-2009



مبكراً أدرك الكثير من النواب أن التصيد في الماء العكر لن يكون في مصلحة مجلس الأمة, ولن تعود الأمور إلى سابق عهدها من ممارسة إرهاب سياسي على الحكومة عبر دفعها إلى امتحان الاستجواب, لأن ما يتوقعه الكويتيون من المجلس في فصله التشريعي الجديد أكبر بكثير من استجوابات مبنية على حكم مسبق صيغ في ليل الحملات الانتخابية.
لقد أدرك الكثير من النواب أيضاً أن قواعدهم الشعبية لن ترحمهم إن هم ساروا في طريق التصعيد المظلم من دون تحقيق أي إنجاز ينفع الناس بينما الصوت العالي يذهب جفاء, وهاهي المؤشرات كافة تدل على أن التداعيات المترتبة على سقوط وزير الداخلية, إن سقط, ستكون كبيرة, وستنقلب البطولات التي يتوهمها البعض إلى خيبة أمل كبرى أكبر بكثير من حماسة في ندوة انتخابية يرتفع فيها تصفيق الجمهور للخطب العصماء التي لا تقدم ولا تؤخر, فالمسألة تكشفت عن أنها ليست محصورة في استجواب فقط, بل هي أكبر من ذلك بكثير بخلفياتها, والحر تكفيه الإشارة.
شاهدنا جميعاً المحاور التي عرضت في استجواب الوزير ورأينا كيف هي مهلهلة ولا ترتقي إلى مصاف الاستجواب, حتى المحور الذي اعتبره المستجوب حجر الزاوية الذي يمكن أن يهدم الهيكل على الوزير كان ضعيفاً جداً يفتقر إلى الموضوعية التي تجعله محوراً أساسياً, ألا وهو قضية اللوحات الإعلانية.
من يدرك المخاطر المترتبة على تقديم المصلحة الشخصية على مصالح الناس يعرف ماذا تعني الوقيعة بين مجلس الأمة والحكومة, ويعرف أن زعزعة هذه العلاقة هي تعطيل متعمد للمسيرة الديمقراطية والنهج الجديد الذي بدأته الحكومة عبر سلسلة المشاريع التنموية التي افتتحتها بالخطة الخمسية, وهذا ما ينتظره الناس الذين ملوا العبث السياسي الذي لم يثمر في السنوات الماضية غير تعطيل مصالح البلاد والعباد.
وزير الداخلية باقٍ في منصبه لأن المؤشرات كافة تدل على ذلك, ولأن زمن بناء بطولات quot;دون كيشوتيةquot; على حساب الحكومة قد ولَّى, وهي التي واجهت الاستجواب المبيت بكل إصرار على المضي قدماً في وضع نقاط العمل على حروف التنمية ولن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهةالذين لم يجدوا في أجندتهم إلا بناء قصور الأوهام على رمال صيحات التأزيم غير المبرر, التي لم تؤد إلا إلى طرق مسدودة في الماضي, وهي الآن تدفع بالبلاد الى طريق مسدودة لأنها لم تتعلم من الدرس, ولم تدرك أن الحقوق الدستورية ليست جواز مرور للهدم, الذي وضعنا في دوامته في السنوات الثلاث الماضية من دون أي مبرر.
إن الله سبحانه وتعالى نهى عن عنت المؤمنين, وقال في محكم تنزيله العزيز quot;يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر, قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلونquot; (آل عمران/118). وهذا ما عايشه الشعب الكويتي في السنوات القليلة الماضية وكأن المقصود هو أن نبقى نعاني من الدوران في حلقة مفرغة, زادت من حدة الأزمات التي تعانيها البلاد وترتب عليها الكثير من الخسائر في كل القطاعات, فإن تعقلوا فهاهي الشواهد تجمع على أن الطريق التي يدفع البعض البلاد إلى السير بها وعرة جداً, ومليئة بالحفر التي لن يجد من يقع فيها حبلاً يمد إليه لإنقاذه, ولم يدرك ما رمت إليه الحكمة أكثر من مرة كلمتها في ضرورة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة, ولكن البعض لم يدرك المعاني التي بين السطور.
لا تشرق الشمس ذاتها كل يوم, وحكومة اليوم ليست حكومة الأمس, والكويتيون اليوم ليسوا كما كانوا من قبل, وهم أكثر توقاً إلى إطلاق عجلة التنمية والبناء, وإلى الإنجاز الحقيقي في مجلس الأمة والحكومة, ولن يقبلوا أن تفرض عليهم أهواء البعض الشخصانية تعطيل هذه العجلة, وما كان محرماً بالأمس قد لا يكون محرماً غداً, وساعتئذ لا ينفع الصراخ ولا التهديد, والناس تنسى الأوهام وتتمتع بالحياة.
ابعدوا كأس العلقم عن شفاهكم, والحر, كما أسلفنا, تكفيه الإشارة, فهل تعقلون؟