شعلة شكيب


مازال الدين الإسلامي بسبب ممارسات بعض المنتسبين إليه متهماً بأنه سبب تخلف أوضاع المرأة في الدول المسلمة، وإن كنا بصدد تفنيد هذه الاتهامات فلابد من إبراز أنموذج عملي وواقعي للمكانة التي وصلت إليها المرأة المسلمة في ظل دولة إسلامية مصدرها الوحيد للتشريع هو الدين، ولنضرب مثالاً على ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الحديث عن المكانة التي وصلت إليها المرأة الإيرانية يدعمه واقعها العملي والفعلي وحضورها الدولي والعالمي، فهي الأكاديمية المتخصصة والنائب في البرلمان ورئيس المجلس البلدي ومستشار رئيس الجمهورية لشؤون المرأة ورئيس جمعيات نسائية فاعلة ووزير، من دون تجاهل دورها التربوي المقدس وهو صناعة الإنسان داخل أسرتها.
قد يجادل البعض بأن الطفرة التي حدثت في وضع المرأة الإيرانية في ظل الدولة الإسلامية والتي أبرزتها كأنموذج يحتذى به، إنما كان نتاج قرار سياسي من القيادات العليا بتمكين المرأة وإفساح المجال لها لتعمل جنباً إلى جنب أخيها الرجل، وهذه حقيقة عامل جوهري لا يمكن تجاهله فوجود رغبة سياسية حقيقية لتمكين المرأة تعتبر عاملاً مفصلياً في هذه الطفرة، ولكن لا يمكن إيعاز المكانة التي حظيت بها المرأة الإيرانية إلى هذه الرغبة لدى القيادة السياسية فقط، بل نقول هنا إن ذلك يعد مكسباً شاركت وناضلت من أجله المرأة الإيرانية حيث إن رغبتها في المشاركة في التنمية وتبوأ مراكز صنع القرار دفعتها إلى العمل الدؤوب بلا كلل، وعندما تزامنت الرغبة السياسية مع رغبتها وطموحها أتى النتاج مفخرة بحق لكل امرأة.
من هي المرأة الإيرانية؟.. هي المجاهدة التي ناضلت وقاومت الظلم والفساد قدمت الشهداء واحتسبتهم عند الله، هي المرأة المكافحة التي تعمل بجد منذ مطلع الفجر إلى آخر ساعات النهار، غير معتمدة على خادمة تعينها في شؤون المنزل، تعلمت كيف تنظم وتستثمر وقتها بدقة وجودة، ولم تثنِها واجباتها المنزلية والأعباء الأسرية والظروف الاقتصادية الصعبة عن واجبها وتواجدها في المجتمع ورغبتها في العطاء وخدمة الآخرين إضافة إلى اكتساب العلم والمعرفة. كما أنها أبرزت الأدوار التي باستطاعة المرأة القيام بها كإنسان يتساوى في الإنسانية مع الرجل وليس كأنثى فقط، مسؤولة عن إدارة بيتها وتربية أبنائها.
دعيت إلى مؤتمر في جامعة طهران، وهناك التقيت نماذج من الأخوات يعتبرن إسلاماً متحركاً فاعلاً يدفعن بالحراك الأهلي إلى الأمام، مزجن الدراسات الأكاديمية بالدراسات الإسلامية فأصبحن ذوات منطق قوي وجرأة في الطرح وقدرة عالية على التنظير، وكفاءة في التخطيط والتطوير، وبذلك فرضن احترامهن من قبل الجميع. إن تمسك المرأة الإيرانية بعفتها وحجابها لم يمنعها من الانطلاق على جميع الأصعدة محلياً، إقليمياً، وعالمياً، فهي متميزة بعفتها وشخصيتها الإسلامية وغزارة علمها الذي ينعكس ويتجلى ذلك في أطروحاتها ومداخلاتها في المؤتمرات والندوات. وأصبحت تمثل صورة المرأة المسلمة المشرقة أينما وجدت، مفندة بذلك جميع الاتهامات التي توجه للدين وتحملها مسؤولية تقوقع المرأة وتأخرها. لا أدعي هنا أن المرأة الإيرانية حققت جميع طموحاتها، فهناك رؤى ومشروعات عدة تصبو إلى تحقيقها، وقد عبرت عنها كثيرات ممن التقيت بهن على هامش المؤتمر، ولكن تبقى هناك حقيقة جلية بأن المرأة في ظل الشريعة الإسلامية تحظى بمكانة لا تنالها ضمن أي شريعة أو نظام آخر.