أكبر محاكمة أمريكية في التاريخ متى ولماذا؟

إميل أمين

هل اقترب زمن محاكمة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني على ما اقترفته من جرائم علنية وسرية طوال ثماني سنوات؟ تساؤل بات يطرح نفسه بقوة مؤخراً، ويبدو أن حظوظه من الواقعية عالية وبشكل غير مسبوق.. كيف ولماذا؟

المؤكد أن الاتهامات لن تقف أمام الفضيحة الأخيرة الخاصة بإخفاء المعلومات عن الكونجرس، بل ربما ستبدأ من سلسلة طويلة من الاتهامات في مقدمتها الكذب على الشعب الأمريكي لتبرير غزو العراق والتي يتحمل بوش وزرها الأكبر.

أما التهمة الفيدرالية المؤكدة والموجهة إلى تشيني فتتعلق بالكشف عن اسم عميلة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فاليري بلايم انتقاماً من زوجها سفير أمريكا السابق جو ويلسون والذي أثبت كذب الادعاء الذي أطلقه بوش وعصبة المحافظين الجدد بشأن شراء العراق يورانيوم من النيجر.

ولعل التساؤل هل يمكن لأوباما بالفعل أن يقدم على الموافقة لجهة محاكمة بوش، الأمر الذي يرفع من مكانة واشنطن ويعلي شأنها في عيون العالم بعدما قدر لبوش تشويهها والحطّ من صورتها بأبلغ قدر ممكن؟

الجواب يعود بنا إلى زمن الفترة الانتقالية للرئاسة الأمريكية الأخيرة والتي ترددت فيها معلومات عن قيام الحزب الجمهوري وقيادته العليا بإجراء اتصالات خفية مع قيادات الحزب الديمقراطي من أجل بحث إمكان الحصول على تعهد الرئيس المنتخب باراك أوباما بتوقيع قرار عفو عن كبار مسؤولي إدارة بوش وفي مقدمتهم الرئيس ذاته وطاقمه من عسكريين ومدنيين واستخباراتيين وكل من طالتهم يد الاتهامات.

على أن أوباما وإن كان من الناحية الدستورية يمتلك مثل هذا الحق إلا أنه لم يفعل فيما أعادت بعض الدوائر القريبة منه التذكير بالوعود التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية من أنه سيأمر بفتح تحقيق موسع في مخالفات الإدارة السابقة للقوانين الأمريكية.. ما الذي صرّح به أوباما على وجه الدقة؟

حال سؤاله عما سيفعله إزاء مطالبة كثيرين في أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة ببحث ما إذا كانت وزارة العدل في إدارة يترأسها ستفتح هذا الملف بجرأة ومن دون تردد قال: ldquo;سأطلب من وزارة العدل في إدارتي أن تراجع فوراً المعلومات المتاحة ولتحديد القضايا التي تتعين متابعتها وفي حالات مخالفة القوانين سيحال من خالفها إلى المحاكمة بصرف النظر عن موقعهrdquo;.

وأضاف: ldquo;إذا ما وجدنا أن مرتكبي تلك الجرائم من المسؤولين الكبار وممن ارتكبوها عمدًا على الرغم من معرفتهم بأنها تخالف القانون، وأنهم تورطوا في محاولة تغطية جرائمهم فسأطبق المبدأ الأساسي للدستور وهو أنه ldquo;لا أحد فوق القانونrdquo;.

والثابت أن أوباما برفضه منح طوق نجاة لبوش يجد نفسه اليوم مطالباً من قبل العالم عامة والأمريكيين خاصة بفتح هذا الملف الذي طالب رئيس لجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ باتريك ليهي ldquo;بالبدء في قراءة أوراقه وبحث إمكان تشكيل لجنة تحقيق حول التجاوزات القضائية في عهد بوشrdquo;.

في منتصف شهر يوينو/حزيران المنصرم كانت الأنباء الواردة من واشنطن تشير إلى ما كشف عنه مدير مكتب رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي فيليب لافيل من أن المجلس التشريعي يحقق في حالة ldquo;الأشخاص الذين قدموا إفادات كاذبة إلى أعضاء الكونجرس بشأن أساليب الاستجواب التي اتبعت في حالات بعض المعتقلين في سجون أمريكية خارج الولايات المتحدةrdquo;.

هل يفهم من تعبير الأشخاص الذين قدموا إفادات كاذبة أنهم عدد من مسؤولي إدارة الرئيس السابق جورج بوش وفي مقدمتهم نائبه تشيني؟

المثير جداً في تصريحات فيليب لافيل تلميحه إلى أن التحقيقات قد انطلقت بالفعل وإن بصورة هادئة وبعيداً عن وسائل الإعلام، ويذكر أن تشيني قدم شهادة إلى عضوين رئيسيين في لجنة الاستخبارات في اجتماع مغلق، وألمح لافيل إلى أن التحقيق يقارن بين إفادات قدمت إلى تشيني في البيت الأبيض بوساطة مسؤولي المخابرات المركزية وما قدمه تشيني من معلومات إلى أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ.

على الصعيد العالمي ترى الشعوب أن بوش ووفقاً للدستور الأمريكي هو الرئيس المسؤول عن كافة الأعمال التي قامت بها إدارته، وعلى هذا النحو هو ضالع مباشرة في قائمة طويلة من الجرائم فصّلها المحامي الأمريكي الشهير فنسنت بيجليوس في كتابه الأخير ldquo;محاكمة جورج بوش بتهمة القتلrdquo; وهو وثيقة مهمة تقع في 323 صفحة من التوثيق لما اقترفته إدارته، وعليه إذا أراد الرئيس الجديد إضفاء مشهد تغيير حقيقي على سياسات بلاده وصورتها في عيون العالم فما من مفر إلا تقديم بوش للعدالة. أما في ما يختص بالداخل الأمريكي فإن تشكيل لجنة أو هيئة مستقلة للتحقيق يعني ضمان أن تقوم بعملها بصورة احترافية وبطريقة بعيدة كل البعد عن أي تأثيرات سياسية أو حزبية.

وثانياً سيمكّن ذلك الرئيس أوباما من التفرغ لتركيز طاقاته وجهوده لمواجهة التحديات الأخطر وفي مقدمتها الأزمة المالية العالمية، إضافة للملفات الساخنة كما في حال إيران وكوريا الشمالية وغيرها الكثير من الإرث السيئ الذي خلّفه بوش لأوباما.

هل يقترب زمان أكبر محاكمة في تاريخ أمريكا؟ في المبتدأ وفي المنتهى، يبقى لكل تجربة قاض طبيعي ينظر إليها ويحكم عليها، وما على قرار أوباما سوى أن يكون رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر نزولاً عند رغبة الأمة.