عدنان حسين

من أكبر المفارقات في الوضع الإيراني الراهن أن نظام خامنئي- أحمدي نجاد، يوجه إلى معارضيه، نشطاء الحركة الخضراء، تهمة laquo;محاربة الله والرسولraquo;. والمفارقة ليست في أن هذا النظام يقرر بنفسه، من دون تفويض، لا من إله أو رسول.. ولا من أحد سواهما. أنه هو القيّم على قضية الله والرسول، وأنه هو صاحب الحق المطلق في تصنيف من يكون في معسكر الله والرسول، ومن يكون في معسكر أعداء (محاربي) الله والرسول.
المفارقة الكبرى أن هذه التهمة هي نفسها التي واجهتها الحركة السياسية الشيعية طوال تاريخها. الفارق أن التهمة هذه المرة موجهة من نظام شيعي ضد حركة معارضة له، هي الأخرى شيعية.
على مدى ثلاثة عشر قرنا قدّمت الحركة السياسية الشيعية نفسها باعتبارها المدافعة عن الحقوق المغتصبة للشيعة، الذين تعرّضوا للاضطهاد والتهميش، بل أيضا إلى الاتهام بأنهم laquo;أعداء الله والرسول والخلفاءraquo;. وفي هذا السياق، حرّك آية الله الخميني الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي، واعداً ًالشيعة laquo;المستضعفينraquo; بإقامة نظام حكم يستعيد لهم حقوقهم، ويضع نهاية لمظلوميتهم التاريخية، ويجعلهم السادة. وعلى هذا الأساس، لم يكتفِ دستور الجمهورية الإسلامية بالنص على أن الدين الرسمي للجمهورية، هو الإسلام، بل تعداه الى التكريس الرسمي للمذهب الجعفري الاثني عشري (الشيعي): laquo;الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغييرraquo;.. كما جاء في المادة الثانية عشرة.
وبعد ثلاثين سنة من قيام نظام الجمهورية الإسلامية، وتطبيق هذا الدستور المذهبي الفريد من نوعه، انتهى المطاف بشيعة إيران إلى انتهاك مضاعف لحقوقهم، كما لحقوق سائر الإيرانيين من السنّة، وأتباع الديانات الأخرى. فالأغلبية الساحقة من الفقراء والمحرومين في إيران اليوم هم من الشيعة. والذين احتجّوا على التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هم في غالبيتهم الساحقة أيضا من الشيعة، وزعماؤهم كلهم شيعة، بل إن الذين قُتلوا في الشوارع خلال حركات الاحتجاج المتلاحقة، والذين اعتُقلوا، وتعرضوا للتعذيب، والاغتصاب، ولأحكام السجن، هم جميعا تقريبا شيعة، ورجال الدين الكبار، والصغار (آيات الله وحجج الإسلام) الذين جرى تحقيرهم والحطّ من قدرهم وسمعتهم وكراماتهم، بداعي تأييدهم الحركة الاحتجاجية، هم على الإطلاق شيعة، والمهددون الآن بالإعدام، لأنهم شاركوا في احتجاجات يوم عاشوراء، أو في أية احتجاجات لاحقة (تصريح وزير الداخلية الإيراني مصطفى محمد نجار أول من أمس) هم، كلهم تقريبا، شيعة.
إيران تعيش اليوم فترة حالكة في تاريخها لم تشهد لها مثيلا، حتى في عهد الشاه. ولا يمكن مقارنة ما يعانيه الإيرانيون إلا بما عاناه العراقيون في عهد صدام، والفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومن قبلهم الألمان في عهد هتلر، والسوفييت في عهد ستالين، والإسبان في عهد فرانكو، والجنوب إفريقيون في عهد نظام التمييز العنصري.
لا عزاء للشيعة، فـ laquo;شيعةraquo; إيران الحاكمون يضطهدون شيعة إيران، وسنّتها، ومسيحييها، وزرادشتييها، كما لم يُضطهدوا على مدى تاريخهم الطويل.. بل إن الأذى الشيعي الإيراني يمتد نطاقه ليشمل سائر الشيعة في العالم.. من العراق إلى لبنان وأفعانستان وباكستان.