مهنا الحبيل

إن أولويات واشنطن وفقاً‮ ‬للمعطيات التي‮ ‬استعرضناها بالأمس أضحت فيها قضية مواجهة الانقلاب الاستراتيجي‮ ‬الذي‮ ‬تزحفُ‮ ‬عليه حركة طالبان تحتل الأولوية الأولى،‮ ‬يليها أو متزامناً‮ ‬معَها مواجهة المشروع الوطني‮ ‬العراقي‮ ‬لحركات المقاومة التي‮ ‬لأول مرة تتوحَّد في‮ ‬جبهتين إحداهما تحتَ‮ ‬قيادة الشيخ حارث الضاري‮ ‬وهم فصائل التخويل والأخرى بقيادة الشيخ عبدالخالق الجنابي‮ ‬وفصائل حزب البعث وبعض الفصائل الأخرى‮.‬ وحاجة واشنطن لإيران ضرورة ماسة محسومة في‮ ‬هاتين الأولويتين،‮ ‬وهو ما أكده تصريح الجنرال صفوي‮ ‬القائد السابق للحرس الثوري‮ ‬الإيراني‮ ‬في‮ ‬حينه لكنه قال إن على واشنطن أن تعترفْ‮ ‬بإيران كشريك إقليمي‮ ‬مهيمن مرجعي‮ ‬للخليج،‮ ‬في‮ ‬إشارة ضمنية للمقابل الذي‮ ‬تطالب به طهران للتعاون في‮ ‬العراق وأفغانستان فكيف سيترجم هذا الاعتراف‮..‬؟ الإرادة قبل القدرة الردعية‮ ‬ هنا‮ ‬يبرز التساؤل عن قُدرات دول الخليج العربي‮ ‬لمواجهة نتائج هذه التقاطعات،‮ ‬لكن الأمر الأهم من وجود هذه القدرات لابدَّ‮ ‬من السؤال الوجودي‮ ‬الاستراتيجي‮ ‬للمنطقة وهوَ‮ ‬هل لدى الخليج العربي‮ ‬إرادة لتحقيق هذا التوازن‮..‬؟ إذا قيل نعم فهناك ستة عناصر تدخل في‮ ‬إطار هذه القدرات لمواجهة تقاطعات واشنطن وطهران‮:‬ الأول؛‮ ‬يجب أن‮ ‬يفرز الخليج موقفه بناء على مصالحه،‮ ‬فعودة طالبان وإن كانت مهددة للإيرانيين والأمريكيين فهي‮ ‬قد تحمل خرقاً‮ ‬لهذا التوافق الذي‮ ‬يُهدد ميزان الأمن القومي‮ ‬العربي،‮ ‬ونُذكّر في‮ ‬هذا الصدد بطلب الأمريكيين من المملكة التوسط بين طالبان وكرزاي‮ ‬رغم أن حكم كرزاي‮ ‬في‮ ‬حكم المنتهي،‮ ‬وأن الأصل أن نطرح لماذا لا‮ ‬يُتواصل معَ‮ ‬طالبان لمصلحة الأمن القومي‮ ‬في‮ ‬الخليج بدلَ‮ ‬مصالح الأميركيين،‮ ‬وبلا شك فإن انسحابَ‮ ‬السعوديين من هذه الوساطة المشبوهة كان في‮ ‬الاتجاه الصحيح‮.‬ أما الثاني؛ فهوَ‮ ‬دعم المشروع الوطني‮ ‬العراقي‮ ‬بقيادة الشيخ حارث الضاري‮ ‬لكونه مفصلاً‮ ‬مهماً‮ ‬لتحييد هذا التوافق أو الزحف الإيراني‮ ‬على المنطقة،‮ ‬معَ‮ ‬ما‮ ‬يعرفه الجميع من اعتدال ووسطية وحرص حركات المقاومة المنضوية تحت هذا المشروع على سلامة المدنيين وعلاقتها الحميمية للعمق العروبي‮ ‬في‮ ‬الخليج رغم الأخطاء الكارثية والتجاوزات التي‮ ‬ارتكبها الخليج الرسمي‮ ‬تجاه العراق،‮ ‬وتبقى تركيا حزب العدالة رافداً‮ ‬مهمّ‮ ‬للتوازن الإقليمي‮ ‬المواجه لإيران والذي‮ ‬يدفع بالاستقلال المهم ولو نسبياً‮ ‬عن الارتباط بالعجلة الأمريكية،‮ ‬ولنا أن نتساءل عن عدم الاستفادة بما‮ ‬يكفي‮ ‬من هذه القدرة الإقليمية التي‮ ‬ليس لها أطماع ولا نزاعات طائفية ولا عرقية مع المنطقة‮.‬ وتبقى القدرات الثلاث الأخرى تنطلق من الداخل الخليجي‮ ‬وذلك من خلال البناء الذاتي‮ ‬للقوة الإستراتيجية،‮ ‬وفي‮ ‬ذلك نؤكد على حيوية مشروع عمان القديم بتشكيل قوة تدخل سريع للمنطقة من مئة ألف جندي‮ ‬الذي‮ ‬أُثير مجددا في‮ ‬قمة المجلس الأخيرة في‮ ‬الكويت،‮ ‬ويبقى الإصلاح الداخلي‮ ‬وتعزيز الصف الوطني‮ ‬وإنصاف شعوب المنطقة حقوقياً‮ ‬وتحقيق الشراكة الشعبية الحقيقية هو من أهم عوامل القدرة والمنعة الذاتية،‮ ‬ثم عزل المجتمع الأهلي‮ ‬عن أتون الصراع الطائفي‮ ‬والتعامل بحذر معَ‮ ‬الوضع المذهبي‮ ‬وتجنب الانزلاق إلى الفخاخ الطائفية التي‮ ‬دائماً‮ ‬ما تتبنى تصعيدها المؤسسات الإعلامية الإيرانية والغربية وضرورة أن‮ ‬يعي‮ ‬أبناء التيار الإسلامي‮ ‬بكل توجهاتهم أهمية تعزيز التعايش في‮ ‬المناطق المشتركة بين الطائفتين،‮ ‬واعتبار هذا الخطاب قاعدة إستراتيجية لكل العلماء من كل أطياف التيار الإسلامي‮ ‬مع إدراكهم أن المشروع التوسعي‮ ‬للجمهورية الإيرانية والمستفيدين الدوليين من الفوضى في‮ ‬المنطقة هُم من‮ ‬يكسب وراء التصعيد الطائفي،‮ ‬واجتناب هذه المنزلقات لا‮ ‬يمنع النقاش العلمي‮ ‬والعقدي‮ ‬والاختلاف السياسي‮ ‬لكن المهمّ‮ ‬الحفاظ على منظومة الاستقرار الاجتماعي‮ ‬وقواعد تأمين السلم الأهلي‮ ‬لدول الخليج العربي‮ ‬والمنطقة العربية عموماً،‮ ‬وعدم الانجرار للأحداث المؤلمة التي‮ ‬أصابت المناطق الأخرى بكوارث وفواجع لا تنتهي‮ ‬وحين تندلع الفتنة لا تملك أبداً‮ ‬القدرة على إطفائها تماماً‮ ‬كما لو فرط الخليج العربي‮ ‬في‮ ‬قدراته وعجزت إرادته عن تحريك بطاقاته وداهمته الأحداث التي‮ ‬تحرق توازن الردع في‮ ‬يديه فتزيده حسرة على ما آل إليه‮.‬