فيصل علوش

لا يبدو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في أحسن أحواله وأسعد أوقاته، لا داخليا ولا خارجيا، حتى يتوجه بالنصح إلى قادة العالم، خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير المعني بالأهداف الألفية للتنمية، ويرشدهم إلى أن quot;الحكم العادل والمنصف المرتكز على الشريعة الإلهية هو الشرط المسبق والكافل لتحقيق العدالة والمحبة والأمن في المجتمعquot;، فالجميع يعرف مستوى وحجم الإشكالات والأزمات التي يعانيها نجاد وحكومته، لا على صعيد علاقات طهران مع العواصم الكبرى والعديد من العواصم الإقليمية فحسب، بل على الصعيد الداخلي أيضا، حيث لم تعد المعارضة لحكمه تقتصر على الإصلاحيين وحدهم، بل تعدّتهم إلى المحافظين التقليديين الذين يشكلون الأغلبية داخل مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، وبات بعض نوابهم يتهمونه بممارسة quot;الاستبداد والانحراف عن خط الإمام الخمينيquot;. ووصلت الإشكالات حتى إلى بعض وزرائه، بعد أن اشتبك مع وزير خارجيته منوشهر متقي، والبرلمان أيضا، على خلفية تعيينات لمقربين منه في مناصب quot;تتعدىquot; على عمل الخارجية الإيرانية، وهو ما وصف بانتهاجه quot;سياسة خارجية موازيةquot; تحد من صلاحيات الوزير المكلف، في وقت شهدت فيه الدبلوماسية الإيرانية سلسلة انشقاقات في صفوف الدبلوماسيين العاملين في أوروبا، ووصف بعضهم النظام في إيران بـ quot;الوحشيquot;.
وتزامن ذلك كله مع قرب تقديم المدعي العام السابق لطهران سعيد مرتضوي إلى المحاكمة بتهمة quot;التواطؤ في الانتهاكات التي شهدها معتقل كهريزكquot;، ومقتل ثلاثة متظاهرين كانوا تعرضوا للتعذيب في السجن، على خلفية الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في حزيران 2009. وحصيلة القول أن صورة النظام في طهران ليست كـ quot;الفردوس الفريدquot; كما يحلو لنجاد رؤيتها، ليبشر بها كنموذج للحكم quot;العادل والمنصفquot;، ولتكون قدوة يحتذى بها في بقية دول العالم. فهي تبدو مختلفة، قليلا أو كثيرا، ليس في مرايا الأنظمة الأخرى وحدها، بل حتى في مرايا المؤسسات التشريعية والتنفيذية للنظام الإيراني نفسه، التي يبدو واضحا أن ليس ثمة اتفاقا بينها على رؤية واحدة لهذه الصورة.
وعموما، فإن توجهات نجاد الداخلية لا تنحو أبدا في اتجاه ممارسة quot;الحكم العادل والمنصفquot;، وخصوصا إذا كان المقصود بذلك ليس ما يطلق عليه بعضهم حكم quot;المستبد العادلquot;، بل الحكم المستند إلى التعددية والمساواة وإطلاق الحريات وتداول السلطة والأخذ بمبدأ quot;المواطنة quot; الذي لا يميز بين مواطن وآخر لأي سبب من الأسباب..
وفي الواقع، فإن ما يقوم به نجاد وحكومته، مدعوما من quot;الحرس الثوريquot; الذي تنامى دوره ونفوذه الاقتصادي والسياسي على حساب بقية التيارات والفئات السياسية والاجتماعية في إيران، بما فيها الدور المعروف لرجال الدين أنفسهم ،يتجه إلى إرساء نموذج حكم الحزب الواحد، وعسكرة النظام والدولة. ويرى مراقبون ومهتمون بالشأن الإيراني أن البرنامج الذي يحمله نجاد كممثل لـ quot;المحافظين الأصوليينquot; ومنذ ولايته الأولى لا يؤمن بالتعددية السياسية، ويعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية التي تعني في نظره quot;سيطرة الدولة على الثروات الكبرى والإشراف على عقد الاتفاقات الاقتصادية لمنع تكون رأسمالية مستقلة عن الدولةquot;، ويعتقد نجاد أن حل المشكلات الاقتصادية يفضي بشكل تلقائي إلى حل المشكلات الاجتماعية والسياسية، على عكس ما يقول الإصلاحيون. ومن الواضح أن موازين القوى الداخلية حالت حتى هذه اللحظة دون تمكينه من تنفيذ كامل برنامجه وتطلعاته، ولكن من غير المستبعد أن يساهم التوتر الدائم بين طهران والعواصم الكبرى في العالم، مربوطا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ،في مساعدة الرئيس نجاد على ترجمة وتطبيق ما يصبو إليه، وخصوصا على صعيد إلغاء هامش التعددية القائمة، أو الحد ما أمكن منه.
وكان نجاد صرح منذ فترة بأن quot;النظام الإيراني لديه حزب واحد فقط هو حزب ولاية الفقيهquot;.
وهو ما أثار حفيظة، ليس قيادات المعارضة الإصلاحية، التي بات يتهددها الآن إمكان الاعتقال والتقديم للمحاكمة، فحسب، بل حتى قيادات التيار المحافظ التقليدي، التي يعيد مفهوم quot;الحزب الواحدquot; إلى أذهانها نموذج حكم الشاه السابق. وعليه بدأ العديد من رموزها يكيل الاتهامات لنجاد وحكومته، ويصف سياساته بأنها quot;تلتف على القانون وتضعف القوة التشريعيةquot;. وثمة من يقول أن بعض هذه القيادات يفكر في إقصاء نجاد من خلال حجب الثقة عنه في البرلمان، أو إضعافه على أقل تقدير. ويقف إلى جانب هؤلاء بعض كبار رجال الدين في quot;قمquot;، الذين باتوا يتهمون نجاد بتقويض الدور التاريخي للمؤسسة الدينية في الجمهورية الإسلامية، وتراجع دورهم لصالح إعطاء دور أكبر للحرس الثوري، الذي صار عدد كبير من قادته من أعمدة السلطة المدنية .
إلى ذلك، فان الرئيس نجاد يناقض نفسه بنفسه حين يتحدث عن ارتكاز الحكم إلى الشريعة الإلهية كـ quot;شرط مسبق وكافل لتحقيق العدالة والمحبة والأمنquot;، لأنه قبل أيام من هذا، كان أعلن في تصريحات متلفزة أن الإدارة الإيرانية quot;الناجحةquot;، ترتكز إلى quot;ميثاق قوروشquot; إضافة إلى quot;التعاليم الإسلامية الساميةquot;، وهو ما أثار غضب حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة quot;كيهانquot; الإيرانية المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي، فوجه على إثرها انتقادات علنية لنجاد في افتتاحية الصحيفة (20/9/2010).
ومن الواضح أن إشارة نجاد إلى قوروش، وهو أحد حكام بلاد فارس قبل أكثر من 2500عام، تنسجم مع توجهاته، هو ومدير مكتبه أسفنديار رحيم مشائي، الرامية إلى الرفع من شأن الرموز والثقافة القومية على حساب العقيدة الإسلامية. وهذا شأنهما طبعا لو لم يكن الأمر ينطوي على تناقض بين تصريح وآخر!

ارسل هذا المقال الى صديق اطبع هذا المقال