بلال الحسن
أسفر اللقاء الأول عن تفاهم حول الكثير من القضايا، فهل سيتواصل التفاهم حول ما تبقى من القضايا؟
تنبع هذه التساؤلات من تاريخ الحوار الشائك والمعقد بين الطرفين. تنبع من جلسات الشهور الطويلة بينهما في القاهرة، حتى خرجت مصر على الجميع بورقة المصالحة، وأصدرت أمرها العسكري للطرفين بالتوقيع، فوقع من وقع واستنكف من استنكف.
وتنبع هذه التساؤلات من الجهود الفاشلة التي بذلها الوسطاء، فلسطينيين وعربا، وفشلوا كلهم في إنجاز المصالحة. أنجزوا أفكارا للتفاهم، ولكنهم لم يستطيعوا دفع تلك الأفكار نحو التطبيق، حتى عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، دخل معمعة الوساطة، وعاد محملا بورقة عمل تقترح صيغة للتفاهم، ولكنها أُفشلت.
أحد الوسطاء الفلسطينيين (منيب المصري)، جاء مرارا إلى غزة، محملا بتكليف من الرئيس محمود عباس ليبحث في المصالحة، ثم فوجئ الجميع بالرئيس عباس يسحب علنا تفويضه لمنيب المصري، فتوقفت وساطته وماتت.
وفجأة.. ومن بين ركام هذا الفشل كله، يتم الإعلان عن أن وفدا من حركة فتح، يرأسه عزام الأحمد، الشخص الذي كان علامة مميزة في إعلان رفض محاولات الوساطة، سيصل إلى دمشق ليبحث في الوساطة التي كانت تبدو، حتى ذلك الحين، مستحيلة. ولكن ما إن وصل عزام الأحمد إلى دمشق، وأزال عن وجهه علامات الغضب التي اشتهر بها، واختلى جلسة واحدة مع قادة حماس، حتى تم الإعلان عن تفاهم يفتح باب المصالحة على مصراعيه. ولذلك من حقنا أن نسأل، ومن حق الجميع أن يسألوا: ما الذي حدث حتى تغيرت المواقف؟
لقد كان هناك طرفان أساسيان يمنعان الوساطات والتفاهم بين الطرفين، أولا: مصر التي اعتبرت أن مكانتها، وهي مكانة كبيرة باعتراف الجميع، تقتضي ألا يرفض أحد التوقيع على الورقة التي تقترحها للمصالحة. وثانيا: الولايات المتحدة الأميركية، التي نظرت إلى حركة حماس كحركة إرهابية، ونظرت إلى نفسها كدولة تخوض حربا ضد الإرهاب العالمي، ولا يجوز لها بالتالي أن تقبل من أي طرف كان أن يسعى للحوار مع حركة حماس، أو أن يسعى لاسترضائها لكي توقع، فهي حركة يجب أن تحارب، وهي حركة يجب أن يتم القضاء على وجودها في قطاع غزة، وكانت لذلك تتدخل عند بروز أية وساطة لتأمر بأن تتوقف وألا تتم. وكان هناك كثيرون يستجيبون، حتى إن الرئيس عباس أعطى، كما قلنا، تفويضا لمنيب المصري بالتوسط، ثم سحب منه علنا ذلك التفويض.
مرت محاولات الوساطة مع حركة حماس، لتوقيع ورقة المصالحة المصرية، بمرحلتين:
في المرحلة الأولى: كان يقال: إن على حركة حماس أن تحضر إلى القاهرة، وأن توقع على الورقة المصرية كما هي. وحين كانت حماس ترد وتقول: إن القاهرة أدخلت على ورقة المصالحة مواقف لا تتفق مع ما عرضته حماس في المفاوضات، كانت القاهرة تغضب وتقول: إن الورقة المصرية لن تخضع لأي تعديل. وحين كان الجدل يتواصل وتقول حماس إن لديها ملاحظات وتوضيحات، كان الرد المصري يقول: ليعلن كل طرف ما لديه من ملاحظات، وأقصى ما تستطيعه مصر هو أن تعد بأخذ هذه الملاحظات بالاعتبار عند التطبيق، ولكنها لا تعتبر الملاحظات ملزمة لها. وهكذا كانت الطريق تنسد كلما فتحت، وكان الخلاف الفلسطيني بين رام الله وغزة يبقى على حاله.
وجاءت مرحلة ثانية، تم الاقتراح فيها أن تلتقي الأطراف الفلسطينية المعنية، وتتداول فيما بينها بما تراه ضرورة لنجاح المصالحة، ثم تكون هناك ورقة فلسطينية، تضاف إلى الورقة المصرية التي تبقى على حالها دون تغيير. وتتم المصادقة على الورقتين في وقت واحد، ويتم اعتبار الورقتين ورقة واحدة، وكانت مصر ترفض أيضا هذه الصيغة، وكانت الإدارة الأميركية تغضب وتزمجر كلما سمعت بشيء من هذا القبيل، وكان الخلاف الفلسطيني يتواصل ويبقى على حاله.
ولكن شيئا ما حدث وغير الصورة كلها.
مسؤول مصري كبير، يلتقي صدفة مع مسؤول من حركة حماس، ويسأل المسؤول المصري مستغربا: لماذا لا توقعون على ورقة المصالحة؟ ويأتيه الجواب: لأنكم ترفضون كل محاولات الخروج من المأزق. ويكون الجواب المصري الجديد: أنتم مخطئون، مصر لا تعترض على أية محاولة فلسطينية للتفاهم تفسح طريق التوقيع على ورقة المصالحة. وقد كان هذا الجواب غريبا ومفاجئا إلى حد يثير الدهشة، وهنا برز السؤال الآخر: وماذا إذا رفض محمود عباس الموافقة من جهته كما فعل في السابق؟ ويأتي الرد المصري مرة ثانية: نعتقد أن محمود عباس لن يعارض.
هذا هو الحدث الذي تم، في مكان ما، وغير الصورة. وما هي إلا أيام قليلة، وإذا باتصال من رام الله يبلغ حركة حماس، في دمشق، أن وفدا من حركة فتح سيحضر للحوار والتفاهم، وهذا ما تم.
وحين بدأت جلسة الحوار بين الطرفين في دمشق، وقعت مفاجأة ثانية؛ إذ أعادت حركة حماس ذكر تحفظاتها، وإذا بمندوب حركة فتح، والذي اشتهر بشراسته في الإعلان عن رفض مطالب حركة حماس، يتحول إلى حمل وديع، ويدير الحوار بسلاسة، ويتفق مع حركة حماس في ساعة واحدة، على نقاط استحال الاتفاق عليها شهورا طويلة. صحيح أن قضايا أساسية لم يتم التطرق إليها في هذا اللقاء الأول، ولكن النقاط التي تم الاتفاق عليها لا يمكن التقليل من قيمتها، وهي قد تفتح طريق التفاهم على النقاط الأخرى في جلسة مقبلة.
ما الذي غير الموقف المصري؟ وما الذي دفع الموقف الأميركي للصمت وعدم الاعتراض العنيف كما هي العادة؟
البعض يقول: إن الأمر يتعلق بالمفاوضات، واهتمام واشنطن بإنجاح هذه المفاوضات بأي ثمن. وحتى تنجح المفاوضات لا بد من تقوية أبو مازن في وجه نتنياهو من خلال المصالحة، ولا بد من انتزاع حجة من يد نتنياهو يتذرع بها دائما، هي أن أبو مازن لا يسيطر على الوضع الفلسطيني بكامله.
ولكن حركة حماس لا تعيش في مناخ المفاوضات هذا، ولا تقبل أن تكون طرفا فيه. كذلك فإن نقاط المصالحة المؤجلة للنقاش في الجلسة المقبلة، تتناول ضرورة الاتفاق على خطة العمل السياسية المقبلة، وفيها مواقف حركة حماس المعروفة من المقاومة إلى القدس إلى حق العودة إلى إزالة المستوطنات، وفيها أيضا تحديد الموقف من الجهاز الأمني الفلسطيني وسياساته (الدايتونية). فهل سيصمد حوار المصالحة ويتواصل عندما يتم طرح هذه النقاط للحوار؟
هذه هي الأسئلة الصعبة، والتي ستقرر ما إذا كانت العودة لحوار المصالحة، ستكون عودة ناجحة، أم مجرد مناورة لها سقف لا تستطيع تجاوزه!
التعليقات