Daniel Byman, - International Herald Tribune


إن كان يتعذّر استئصال laquo;حماسraquo; من جذورها، لعله من الممكن إقناعها بعدم تعطيل محادثات السلام بأعمال العنف والتخفيف من حدة لهجتها. ومن أجل أن ترغب laquo;حماسraquo; في وقف دائم لإطلاق النار، على إسرائيل وحلفائها تغيير الحسابات التي تعتمدها الحركة في صناعة القرارات، وهي عملية ستتطلب محفزات وتهديدات في آن.

يتمثل أكبر عائق يحول دون السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في بروز حركة 'حماس' كحكومة بحكم الواقع في الضفة الغربية، حيث يقيم 1.5 مليون فلسطيني. قد تبدأ محادثات السلام مع استبعاد 'حماس'، لكنها لن تنحسم على الأرجح في حال رفضت الحركة التعاون.

أثبتت 'حماس' أنها تمتلك الوسائل لإعاقة محادثات السلام عبر شن هجمات بالصواريخ وقذائف الهاون، إطلاق النار على جنود ومزارعين إسرائيليين بالقرب من حدود غزّة، واختطاف جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي، لكنها قادرة أيضاً على تقويض محادثات السلام من دون استخدام العنف.

في هذا السياق، تستطيع 'حماس' السماح للمجموعات الإرهابية الأخرى بالعمل من غزة وادعاء الضعف أو الجهل. كذلك تقدر على تعطيل المحادثات سياسياً. تشير الحركة بانتظام إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتمتع بقاعدة نفوذ في الضفة الغربية، يبيع القضية الفلسطينية، ما يجعل من الصعب على عباس تقديم تنازلات لإسرائيل، لاسيما إن لم تُقابل بتنازلات متساوية من إسرائيل.

في الوقت عينه، وضعت إسرائيل، ومصر، والمجتمع الدولي غزة تحت الحصار لعزل 'حماس' وإضعافها، الأمر الذي يُفترض أن يؤدي إلى انهزامها أو انهيارها. لكن إسرائيل حاولت ممارسة الضغوط على 'حماس' من دون التسبب بمجاعة جماعية، وهو توازن صعب. فبالرغم من أن السياسات الإسرائيلية تبقي غزة عند حافة الهاوية، لكن 'حماس' تعلم بأن إسرائيل لن تسمح للقطاع بالسقوط.

يساعد ذلك الغزاويين بعض الشيء. تحدد وكالات الإغاثة اليوم معدل الفقر في غزة عند 80 في المئة، ويحمّل العالم إسرائيل مسؤولية هذه المعاناة، وهكذا نجحت 'حماس' بتصوير نفسها كضحية للوحشية والعنف الإسرائيليين بالرغم من أجندتها العدائية والقمعية.

كذلك فشل حصار غزة على صعيد آخر، إذ لم يشل قدرة 'حماس'. تحتكر هذه الأخيرة اليوم استخدام القوة في قطاع غزة، وقد تعاظمت سطوتها السياسية بين الفلسطينيينن على حساب معتدلين أمثال عباس. عزز الحصار من جهة أخرى أهمية الخدمات الاجتماعية التي توفرها الحركة، فضلاً عن أنها تفرض ضرائب على البضائع المهربة عبر الأنفاق بين غزة ومصر. إلى ذلك وجدت 'حماس' سهولةً أكبر في جمع المال من إيران التي تتوق إلى ربط اسمها بتنظيم معاد لإسرائيل يتمتع بالشهرة والشعبية.

يعتقد بعض الإسرائيليين أن الحل البديل عن الحصار يقضي بمواجهة 'حماس' بشكل مباشر، وعزلها من السلطة عبر إعادة احتلال غزة وإجبارها على العودة إلى الأنشطة غير المشروعة. لكن تلك الاستراتيجية ستدفع بإسرائيل إلى حائط مسدود. أما احتلال غزة مجدداً فسيلحق ضرراً بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، والقيادة الفلسطينية المعتدلة في الضفة الغربية.

إن كان يتعذّر استئصال 'حماس' من جذورها، لعله من الممكن إقناعها بعدم تعطيل محادثات السلام بأعمال العنف والتخفيف من حدة لهجتها. ومن أجل أن ترغب 'حماس' في وقف دائم لإطلاق النار، على إسرائيل وحلفائها تغيير الحسابات التي تعتمدها الحركة في صناعة القرارات، وهي عملية ستتطلب محفزات وتهديدات في آن.

لتحقيق ذلك، على إسرائيل السماح بدخول كميات البضائع المنتظمة إلى غزة مع إشراف مراقبين دوليين، لا إسرائيليين، على المعابر. لا شك في أن الاستخبارات الإسرائيلية لن تتخلى عن مهمتها بمراقبة دخول البضائع وخروجها للحرص على أن المراقبين أدوا عملهم على أكمل وجه، لكن عملية التبديل ستكون مهمة رمزية.

في المقابل، ستلتزم 'حماس' بوقف دائم لإطلاق النار وتوافق على وقف جميع الهجمات من الأراضي الخاضعة لسيطرتها. كذلك ستغلق الأنفاق وتضع حداً لعمليات التهريب.

من شأن اتفاق مماثل بالتالي السماح لـ'حماس' بنيل الفضل لتحسينها حياة الغزاويين، وقد تستغل الحركة الزيادة الناجمة في كميات البضائع المتدفقة لمكافأة مؤيديها. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فستتوقف الهجمات المنتظمة بالصواريخ بالكامل، وسيتقلص خطر تجدد الهجمات ضدها. كذلك من شأن وقف لإطلاق النار تحرير إسرائيل دبلوماسياً. فإن انتهت المشكلة مع 'حماس'، تستطيع إسرائيل تحمل المزيد من المخاطر على طاولة التفاوض مع عباس.

عندئذ، سيملك الفلسطينيون المعتدلون الحق في الشكوى من أن إسرائيل تكافئ بهذه الطريقة العنف. وإن تحسن الاقتصاد في غزة، سيتقلّص الفارق الشاسع بين ظروف العيش هناك وظروف العيش في الضفة الغربية، الأمر الذي سيضر بعباس سياسياً. لذلك من أجل التعويض عن أي مكاسب سياسية قد تجنيها 'حماس'، على المجتمع الدولي تشجيع المساعي الرامية إلى إحلال القانون والنظام، والحد من الفساد، وأيضاً بناء دولة في الضفة الغربية، الأمر الذي سيساعد بالتالي في جعل حكومة عباس منافساً حقيقياً لـ'حماس' في مسألة الحوكمة.

في النهاية، من شأن الإعلان الرسمي عن وقف لإطلاق النار مع 'حماس' إثارة تساؤلات عمّا إذا كان الفلسطينيون المعتدلون وإسرائيل بذلك يرجئون فحسب قتالاً محتّماً ويسمحون لعدوهم بتعزيز قوته. لكن في حال استؤنفت هجمات الصواريخ من غزة أو ظهرت أدلة موثوقة تشير إلى تعزيز 'حماس' قدراتها العسكرية، سيكون أمام إسرائيل مبرر قوي لحصار غزة مجدداً بطريقة أكثر شموليةً أو عبر استخدام القوة. لذلك على المجتمع الدولي دعم فكرة الإعلان الرسمي عن وقف لإطلاق النار وأيضاً حق إسرائيل بالرد عسكرياً إن احتكمت 'حماس' مجددا ًإلى العنف بالرغم من التنازلات الإسرائيلية.

*بروفيسور في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون وعضو بارز في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز.