هشام القروي
في أواخر عهد الرئيس السابق جورج ولكر بوش، كان ثمة اعتقاد لدى عدد من المراقبين العرب والغربيين أن إدارته فعلت كل ما بوسعها لتعطيل التوصل إلى تسوية معقولة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حسب ما يعرف بحل الدولتين. وكان أكثر ما يبرر هذا الاعتقاد، لا علاقة له بحقائق الصراع على الميدان، وإنما من المرجح أن يعود إلى موقف آيديولوجي تجاه إدارة بوش التي اعتبرت واقعة -أكثر من غيرها- تحت هيمنة laquo;تحالف صهيو-مسيحيraquo; متطرف. بيد أن المسألة في الحقيقة أكثر تعقيدا مما يبدو على السطح، وليس في نيتي هنا الخوض في تفاصيل تتعلق بسياسة ذلك العهد، وإنما فقط الحديث عن تفسير خاطئ للصراع.
بادئ ذي بدء، لو كان بالإمكان رد هذا الصراع إلى خلاف ديني بين المسلمين واليهود حول من له أحقية العيش في فلسطين، وانتظار الحل مع ذلك، لتوجب انتظاره الدهر كله. فالمنطلق الديني لمشكلة سياسية يخرجها من دائرة القدرة الإنسانية على الفهم، وإيجاد الحلول، ويدخلها في دائرة السلطة الإلهية التي لا رقابة عليها، ولا إمكانية للنفاذ إلى أسبابها، أو كنه تأثيراتها. بعبارة موجزة: إن المنطق الديني يجعل حل القضية الفلسطينية مستحيلا، مع استمرار وجود حقائق القوة الإسرائيلية، التي نراها تتنامى ولا تتناقص.
يدخل ضمن هذا التفسير لحقيقة الصراع موقف الحركات الإسلامية بشكل عام، وlaquo;حماسraquo; بشكل خاص. عندما ينصت المرء لخطاب السيد إسماعيل هنية وصحبه، وردهم على مقترحات ميتشل، مبعوث الرئيس أوباما، وكذلك على مطالبة الرئيس محمود عباس الإسراع بحل الدولتين، يتساءل سؤالين: أولا، كيف أمكن أن تحصل laquo;حماسraquo; ذات يوم على الأغلبية في الانتخابات الفلسطينية؟ وثانيا، كيف أمكن أن تصل إلى الحكم وتبقى مع ذلك عاجزة عن فهم السياسة وحقائق الصراع؟
لن أجيب عن السؤالين، لأن ذلك سيخرجني عن الموضوع الذي أنا بصدد تحليله هنا. وإنما أشير إلى أنه ليس من الغريب أن تكون هناك أغلبية من الدول الفاعلة التي تؤيد حلا سلميا للصراع العربي- الإسرائيلي، تعتبر أنه لا إمكان أبدا لإشراك هذه المنظمة في أي شيء، وأن عزلها، أو ضربها أفضل.
وللتذكير، اعتبرت laquo;حماسraquo; أن خطاب الرئيس محمود عباس laquo;يشكل تراجعا ملحوظا أمام الضغوط الأميركية، وانه لا يوفر مناخا سليما لتحقيق المصالحة المنشودةraquo;. واعتبرت كلام الرئيس الفلسطيني حاملا laquo;اتهامات باطلةraquo; لها، ورفضت المصالحة، ورفضت في الوقت نفسه حل الدولتين، الذي تدعو إليه كل الأطراف، ومقترحات ميتشل، واصفة إياها بالصهيونية.
ولأن laquo;حماسraquo; تفسر الصراع مع إسرائيل بصفته laquo;جهادهاraquo; ضد laquo;الكفارraquo;، وتربطه بالأيام الأولى للإسلام في جزيرة العرب، فهي لا ترى الحقائق على الأرض. ولأن laquo;حماسraquo; تعتقد أنه لا سبيل في الحقيقة للتعايش بين اليهود والمسلمين على رقعة واحدة من الأرض، فهي لا ترفض حل الدولتين وحسب، وإنما كذلك الواقع برمته، لأن الواقع الذي يراه الجميع، أن دولة إسرائيل موجودة على الأرض، معززة بترسانة من الأسلحة النووية، وبعدد من أقوى الحلفاء الدوليين.
فماذا بقي لـlaquo;حماسraquo; حتى تقنعنا بأنها تملك حلا؟ بقي أن تنتصر على إسرائيل وlaquo;تقذف اليهود إلى البحرraquo; كما كان يقال! ثم تجلس للحكم في الدولة الإسلامية التي تحلم بها، مكان نتنياهو وباراك، وعباس... وlaquo;جماعتهمraquo;. وبانتظار أن تفعل ذلك، فلا مفر من رؤية الحقائق السياسية، كما هي على الأرض، وهذا ما تظل laquo;حماسraquo; عاجزة عن تحقيقه، ومن ثم فهي خارج اللعبة السياسية.
قلت في بداية هذه المقالة إن عددا من الناس اتهموا إدارة بوش السابقة بتعطيل حل الدولتين. ولنأخذ كمثال ناذان براون، خبير مؤسسة كارنيغي. فقد كتب في ورقة نشرتها المؤسسة عينها بتاريخ يونيو/حزيران 2008، تحت عنوان laquo;زوال حل الدولتينraquo;، إن إطار هذا الحل قد انهار. ونحن نوافق على هذا الكلام، حيث لم يتوصل بوش إلى فعل أي شيء على هذا المستوى. ولكن في حين ينبغي أن نعترف لبوش بأنه رفع شعار الدولتين -فهو أول من تحدث عن ذلك صراحة- يقدم ناذان براون تفسيرا مختلفا للموقف يحمّل بوش المسؤولية الكاملة للانهيار. فيقول إنه لإبقاء إمكانية حل الدولتين قائمة بالنسبة إلى لإدارة الأميركية المقبلة (أي لأوباما)، كان على إدارة الرئيس بوش:
- التوقّف عن وضع العقبات بوجه اتفاق مشاطرة السلطة بين حماس وفتح، وهو المسار الأفضل على المدى القصير لإعادة تشكيل القيادة الفلسطينية.
- السعي إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس بدعم جهود الوساطة المصرية.
- مبادرة الاتصال غير المباشر مع حماس عبر الرئيس عباس، إذ إن فوائد الاتصال المباشر بحماس، إضافة إلى كلفته، مبالغ فيهما إلى حد كبير.
- بناء مؤسسات فلسطينية قادرة على اتخاذ قرارات ذات نفوذ، وليس وضع كل الرهانات على قادة معينين.
- تأييد إصلاح حركة فتح، آخر أمل لإدخال روح جديدة إلى الحزب وإضفاء الصدقية عليه.
- دعم تجديد الحكم الديمقراطي في فلسطين عن طريق استعادة شروط القانون الأساسي الفلسطيني، أو الدستور المؤقت.
ولنترك جانبا النقاط الأخيرة ونتأمل المقترحات الأولى. لقد ذهبت إدارة بوش وتغير الوضع في أميركا. ولكن الوضع الفلسطيني بقي كما كان. فكيف يمكن الاعتقاد بعد الذي سمعناه ورأيناه منذ الانقسام الفلسطيني ولجوء laquo;حماسraquo; إلى غزة، وإخفاق كل الوساطات العربية في إعادة التفاهم وقدر معقول من اللحمة بين الفلسطينيين، أن بوش هو الذي كان يقف حجر عثرة ضد هذه الجهود؟ لنفترض أن بوش كان يضغط على محمود عباس حتى يرفض هذا الأخير التصالح مع laquo;حماسraquo;، فما الذي يمنع اليوم الفلسطينيين من الالتقاء حول برنامج سياسي مشترك يتم بفضله التوصل إلى حل مع إسرائيل؟
من الواضح أن الولايات المتحدة، التي لا شك أن لها خياراتها وحلفاءها من بين الفلسطينيين، ليس لها دخل مباشر بهذا الأمر. على العكس، إن إدارة أوباما يهمها التوصل إلى حل، وهي تعلم أن ذلك لا يستقيم، ما لم تكن هناك حكومة فلسطينية قوية وشعبية تستطيع أن تدافع عن حل الدولتين، ولكن أين هي هذه الحكومة وهل يرى أحد أن مواقف laquo;حماسraquo; الحالية تشجع على المضي في هذا السبيل، أو الاعتقاد بأن هناك أملا؟
التعليقات