محمد الصياد
مائة وأربعة وأربعون بحرينياً وبحرينية تقدموا بترشيحاتهم لانتخابات مجلس النواب التي ستُجرى في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، من أجل الفوز بمقاعد البرلمان وعددها 40 مقعداً .
وبالمقارنة مع انتخابات عامي 2002 و،2006 فإن هذه الانتخابات تسجل تراجعاً واضحاً في عدد المرشحين الذين بلغ عددهم في انتخابات عام ،2002 201 مرشح بينهم 8 نساء، و206 مرشحين في انتخابات عام 2006 بينهم 16 امرأة، كما انخفض عدد النساء المرشحات في هذه الانتخابات إلى 7 مرشحات فقط .
رقمياً فإن أول ما سيلاحظه المراقب لهذه الدورة الانتخابية الجديدة هو انحسار عدد المترشحين لمقاعد المجلس النيابي مقارنة بأعداد المترشحين لانتخابات عام 2006 السابقة بلغت نسبته 30% .
والملاحظة الثانية تتمثل في بلوغ نسبة المترشحين المستقلين حوالي 41% من إجمالي عدد المترشحين، وهي نسبة إن دلت على شيء فإنما تدل على استمرار طغيان الحزبية في الحياة السياسية البحرينية، وبما قد تعنيه أيضاً من اتسام الحراك السياسي بالحيوية والندية حتى وإن كان بضع جمعيات سياسية دينية لا يتجاوز عددها الثلاث جمعيات، هي الوفاق والمنبر الإسلامي والأصالة، ما زالت تهيمن على المشهد البرلماني .
وكانت مغريات الوجاهة والامتيازات التي توفرها عضوية البرلمان قد حفزت البعض، خصوصاً من خارج الأطر الحزبية، لتجربة حظها في الفوز بالكرسي البرلماني في الانتخابات الماضية، إلا أن اكتشاف هؤلاء وإضرابهم لصعوبة خوض التجربة منفرداً ومن دون ldquo;مظلةrdquo; حزبية توفرها إحدى الجمعيات السياسية النافذة، قد أقنعتهم بعدم تكرار التجربة، خصوصاً مع ارتفاع كلفتها الانفاقية التي تتراوح ما بين 20 ألف إلى 50 ألف دينار بحريني .
ولا أدل على ذلك من عدد النواب المستقلين الضئيل جداً، والذين قُيض لهم تحقيق الفوز في الانتخابات الماضية .
ومع ذلك قد تختلف الأدوار هذه المرة بعض الشيء في ضوء المعطيات التي كشفت عنها أجواء الانتخابات والحملات الدعائية للمرشحين التي انطلقت رسمياً يوم الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي حتى من قبل أن ترتفع سخونتها .
فمن خلال استمزاج آراء الناس يمكن للمراقب المحايد أن يزعم بأن هنالك عدم رضى وخيبة أمل لا يستهان بها من أداء نواب الكتل الإسلامية في البرلمان ldquo;الوفاق والأصالة والمنبر الإسلاميrdquo;، وهو ما قد ينعكس سلباً على هذه الجمعيات التي تمثلها هذه الكتل بانخفاض عدد نوابها في البرلمان المقبل، خصوصاً في ظل تمسكها بنفس الوجوه التي ظلت جالسة على ldquo;كراسي المتفرجينrdquo; طوال فترة انعقاد المجلس .
بيد أن هذا التطور المحمود من الناحية المبدئية لجهة بدء كسر احتكار الجمعيات الدينية التي ركبت موجة العمل السياسي الجماهيري، لأصوات الناخبين، لا يوفر كثير أمل يمكن التعويل عليه في ما يتعلق بالبديل المستقل . فما زال عدم النضوج يسيطر على كثير إن لم نقل غالبية المترشحين، ونعني بعدم نضوج الفهم المحدود للمهمة والولاية البرلمانية من جانب غالبية المتقدمين لنيل لقب ممثل الشعب، خصوصاً المترشحين الجدد . وهنا اقتبس بعض مما جاء في الدعاية الانتخابية لاثنين من هؤلاء، وهما من المحسوبين على تيار الإسلام السياسي الاخواني .
ويقول المرشح الأول عن إحدى الدوائر الانتخابية في مدينة المحرق في برنامجه الانتخابي إنه سوف يركز إذا ما فاز على تحسين مستوى معيشة المتقاعدين والشباب والمرأة والعسكريين . وبدوره يقول المرشح الثاني في برنامجه إن أولوياته سيتصدرها ملف المتقاعدين والشباب وقضايا العفة والفضيلة .
هذه فقط عينة من مقاربات غالبية المترشحين للانتخابات البرلمانية البحرينية التي لا تفصلنا عنها سوى أيام معدودات . هؤلاء المترشحون ينظرون للدولة، كما هو واضح من برامجهم وتصريحاتهم الانتخابية الدعائية، على أنها جمعية خيرية توزع الصدقات أو بقرة حلوب تستطيع إطعام كل من يقصدها بلا حدود . أمثال هؤلاء المترشحين لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم ويعملوا فكرهم ويوظفوا حصيلة معارفهم لإبداع وابتكار ما يعين الدولة، ويدعم موازنتها تحقيقاً للاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي بعيد المدى، وهو ما يقع بالضرورة على عكس المقاربات قصيرة المدى والنظر التي يوزع وعودها أمثال أولئك النواب، والتي تؤدي إلى ldquo;حلبrdquo; الموازنة وإنهاكها وتضييق مساحة مفاعيل أدوات السياسة المالية المحفزة للنمو، ناهيك عن إرهاق موازنات صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية .
التيار الليبرالي الديمقراطي بدا خلال هذه الانتخابات وكأنه ما زال تحت تأثير التهيب والتحسب الذي خلفته نتائج الانتخابات الماضية المخيبة . ومع ذلك فإنه جازف بالدفع بنخبة من ممثليه الذين لا شك سوف يغنون التجربة البرلمانية ويضفون الحيوية عليها، خصوصاً أن من بين هؤلاء شخصيات وطنية تحظى باحترام كافة أطياف المجتمع مثل الدكتور حسن مدن الأديب والكاتب الذي يحظى باحترام واسع النطاق على الصعيدين المحلي والعربي .
السؤال الآن: هل ستسفر الانتخابات البحرينية المقبلة عن تبدلات جوهرية في تركيبة البرلمان التي تغلب عليها منذ الانتخابات الأولى في عام 2002 تيارات الإسلام السياسي؟
المعطيات لا تنبئ بإمكانية حدوث تبدل ذي بال، وذلك برسم عدم حدوث تبدل ملحوظ في ميزان القوى الاجتماعية يسمح للقوى والتيارات الاجتماعية الليبرالية بالتقدم للأمام لطرح نفسها بديلاً لتيارات الإسلام السياسي المهيمنة ldquo;بفضل ظروف مواتيةrdquo; على الساحة الاجتماعية والسياسية .
ومع ذلك فإن هذه الانتخابات يمكن أن تشكل ldquo;بروفاrdquo; للاختراق القائم للقوى الليبرالية الملاحظ صعودها في الآونة الأخيرة وشواهدها أكثر من أن تُحجب .
التعليقات