زهير محمد جميل كتبي

لابد من مواجهة حقيقية لدوافع ونزعات التطرف والغلو حتى تهدأ مجتمعاتنا من هذا الخوف

قال أحد السلف الصالح : quot;تفكر ليلة خير من عبادة سنةquot;.
أنا من الذين يرفضون أن يتبنى الإنسان أفكاراً ويدعو لانتشارها وتعميمها , ثم نجد أن ذلك الإنسان هو أول من يخالف تلك الأفكار , ويمارس سلوكيات ظاهرة تتناقض كلياً مع تلك الأفكار . هذه هي حال بعض الشيوخ والدعاة الجدد المنتشرين في كل مكان , وفي كل الزوايا , والخبايا , وأيضا نشاهدهم أكثر من مرة في البرامج التلفزيونية الفضائية وكلما فتحت قناة وجدت أمامك شيخا يحدثك ويصرخ , وينفعل , ويغضب , وقد يبكي بعضهم , وأصبحوا كأنهم quot;حبوب المضادات الحيويةquot; , التي يأخذها المرضى . وبعضهم يتعمد إثارة ضجة أو فرقعة إعلامية مثلما فعل الشيخ محمد العويفي والذي قال سوف أذهب إلى إسرائيل , وهو يهاجم ويشتم ويسب وينال من اليهود والكفار ويدعو على أطفالهم ونسائهم . أراد العويفي بذلك الشهرة لنفسه والبروز الإعلامي في وسائل الإعلام . وتلك الأفكار والسلوكيات هي التي تعيش أبناء هذا الجيل المسكين في حيرة من أمره ويتوهون في معرفة الاتجاهات الصحيحة , يسمع من بعض العلماء والفقهاء والشيوخ والدعاة شيئاً من أفكارهم ويعيش هو أفكاراً غيرها .
يظن اولئك الشيوخ والدعاة أنهم قادرون على امتلاك قرار quot;التغييرquot; وتحويل المجتمع إلى مجتمع بمواصفات وصفات هم يضعونها . صحيح أنهم يملكون قدرة من قدرات quot;التغييرquot; عبر فعل quot;التدينquot; لان الإنسان العربي بطبعه عاطفي وساذج يؤمن بقوة الضغط على عواطفه ومشاعره . فيحب ولا يعرف لماذا أحب !. ويغضب ولا يعرف لماذا غضب ?.
بعكس المصلح والمثقف والمفكر والكاتب أنهم يريدون فعل , التنوير في العقول , والدعوة للإصلاح ويعملون بجد وجدية على سحب البساط من تحت أقدام الشيوخ والدعاة . وهنا يبرز الصراع الحقيقي .
والمفروض أن يتفوق وينتصر المصلح والمثقف لأنه يريد أن يصل بمستوى الإنسان إلى درجة متقدمة من سلم الوعي والذي يرتقي بالإنسان . فإن فعل ذلك عبر الصبر والحلم والاحتمال , ويكون عارفاً وفاهماً بأحوال الناس والمجتمع ويكون قريباً منهم ومن مطالبهم, فانه يجذب إليه الناس . ولكن يحتاج عادة ذلك المصلح والمثقف والكاتب إلى مبادئ وقيم تتوافر فيه ومنها : الاستقامة, والنزاهة , ونظافة الشخصية من الرذائل , وان يكون هناك ترابط قوي بين أقواله وأفعاله,حتى لا يقع التناقض منه أمام الناس فيفقد مصداقيته .
اليوم , واليوم بالذات أصبحت الكثير من الناس تهرب من مشاهدة اولئك الشيوخ والدعاة ويضغطون على الزر لتغيير القناة التلفزيونية ,فانهم ملوا من الاستماع لاولئك الشيوخ والدعاة الذين أشرت إليهم والذين أصبحوا منابع أفكار تكفيرية وأخرى تدعو إلى الغلو والعنف والجهاد والقتل والتعصب والجهل . بل إن الأمر الخطير للغاية هو امتلاكهم لكثير من القنوات الفضائية أو كما يسمونه في المجتمعquot; القنوات السلفيةquot; تلك القنوات التلفزيونية أصبحت فقاصة أو مفرخة للغلو وللتكفير والعنف والجهاد , وليس لديهم حديث إلا عن النار وعذابها الواقع تغير كثيراً جداً , ولكن الكثير من المشائخ و الدعاة و رجال الدين لم يتغيروا مع متغيرات العصر ومتطلبات المرحلة . ولم يفهموا خطورة الافرازات المتلاحقة في هذا الزمن المليء بالمتناقضات والعجائب والمحن . ولكن علينا أن لا يفوتنا أن الخطر كبير جداً بين الشيخ الأرضي وهو المتحدث في المسجد او المدرسة أو الجامعة أو المعسكر , و الشيخ الفضائي فهذا أخطر بكثير من السابق وتأثيره أسرع واكبر ومشاهديه والمستمعين إليه أكثر . لهذا كان خطره أكبر . فالقنوات الفضائية السلفية هي أكبر خطر على مستقبل الأمة العربية والإسلامية .
إنه الغلو والتطرف والتشدد , وغياب التنوير هذا ما يدفعني للقول أن الأمة اليوم في أمس الحاجة إلى تأسيس قنوات تلفزيونية للتنوير تواجه تلك التحديات المقترحة لتدمير مجتمعاتنا بأفكار الغلو والعنف والإرهاب والتطرف والتشدد .
ان الأمر في حاجة إلى تكوين فرق عمل تشكلها السلطة العربية لوضع برامج تنويرية لشرح المترتبات والتبعات التي نجمت عن الغلو والتطرف والتشدد وما تعانيه الأمة من كل ذلك . وكيف شوهت صورتنا في الغرب وغيره ,ونشرح كيف تدهور اقتصادنا نتيجة كل ذلك ? .
وشرح كيف حرمت المنطقة من عمليات التنمية , وحرمان أطفال وشباب المنطقة من كثير من مكتسبات حضارية . وشرح كيف زاد عدد الأيتام والأرامل !. وكيف انتشر الفقر في الوطن العربي . لأن السلطة العربية اتجهت للصرف على مواجهة الإرهاب والارهابيين أكثر مما تصرفه على العمليات التنموية .
لا بد من مواجهة حقيقية لدوافع ونزعات التطرف والغلو والتشدد حتى تهدأ مجتمعاتنا من هذا الخوف المسيطر على عقولنا ونفوسنا .
ويجب , ثم يجب , ثم يجب , على المشائخ والدعاة أن يفهموا أن الناس تفهم في التدين أكثر من معظم رجال الدين أنفسهم . ولكن لن نتركهم على حالهم هذا . ولن ندعهم في غيهم يعمهون .
لا بد لنا من تفكير ساعة نعيد فيها قراءة واقعنا , ودراسة حالنا , وفهم متطلباتنا , واستيعاب المتغيرات التي حولنا حتى نعيش في سلامة وامن .
والله يسترنا فوق الأرض , وتحت الأرض , ويوم العرض ,وساعة العرض , وأثناء العرض .
كاتب سعودي