محمد خليفة

تواجه الأمة العربية واقعاً سياسياً مؤلماً منذ الدولتين الأموية والعباسية حتى عدوان 1967 وحرب الخليج العربي 1991 التي لم تزل آثارها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية باقية بالرغم من التغيرات التي طرأت على منظومات هذه البلدان حيث اشتد الفقر في الدول العربية المتنوعة الثروات، وسرى مفعول الجوع وفقدان الهوية الإنسانية كفقدان لقمة الخبز، فتداعت اللحظات الزمانية لوجوده الواعي إلى نطاق الوتر المشدود على الهاوية الفاصلة بالعدم المطلق .

فالفقر أصبح مشكلة إنسانية تواجه الإنسان العربي وتحدّ من قدرته في أكثر من منطقة، وينتقص الفقر من إنسانيته، ويُدمى كرامته، ويُسحق وجوده، حيث إن كبرياء الإنسان العربي يذله الفقر وبالتالي تقهره الحاجة، وتدمره الفاقة، ومنهم من ينتظر دوره نتيجة للجوع والمرض وعدم وجود المأوى الذي يقيم فيه ويواجه واقعاً أكبر من قدراته وإمكانياته المادية عندما يجري تطبيق نظريات الضرائب المباشرة وغير المباشرة على رقاب الناس الضعفاء ليتعقب مظان التفاوت بينهم، ودون مراعاة مصالح الجماعة وآثار الوقائع العملية من خلال رسم دقيق لواجب الفرد وواجب الدولة، وليس هذا يعني أن هناك من رعايا المصالح العامة، فكل فرد راع ورعية في المجتمع، والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة، والأمة مسؤولة عن حماية الضعفاء فيها، وهي مسؤولة عن فقرائها ومعوزيها أن ترزقهم بما فيه الكفاية، فتتقاضى أموال القادرين وتنفقها بقدر ما يسد عوز المحتاجين .

على هذا الأساس عارض الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشدة مساعي الجمهوريين لتمديد التخفيض الضريبي على الأغنياء، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا يمكنها تحمل أعباء خفض الضرائب على الأغنياء الذي نفذته إدارة بوش والذي سينتهي العمل به في نهاية هذا العام . وأضاف أنه لا يؤيد ما دعا إليه جون بوينر زعيم الجمهوريين في مجلس النواب من تجميد شامل لمدة عامين لجميع الضرائب الأمريكية المعمول بها حالياً والتي تشمل الضرائب المفروضة على الأغنياء وعلى أفراد الطبقة فوق المتوسطة، موضحاً أن إدارته مستعدة لتمديد التخفيض الضريبي على الأسر التي يقل دخلها عن 250 ألف دولار سنوياً .

الضريبة هي مبلغ مالي تتقاضاه الدول من الأفراد والمؤسسات بهدف تمويل نفقاتها على كل القطاعات والسياسات الاقتصادية كدعم سلع وقطاعات معينة أو الصرف على البنية التحتية أو التأمين على البطالة، وتعد سمة للاقتصاد المعاصر، وتلاقي الضريبة تأييداً من دعاة اقتصاد السوق الحر على أساس المنفعة لأنها توطد الصلة بين الضريبة وانتفاع الفرد من تلك الخدمة أو السلعة، ويعتقد الاقتصاديون أن السياسة الضريبية أداة قوية لتحديد شكل اقتصاد البلاد والرفاه الاجتماعي حيث يعمل النظام الضريبي على استقرار النمو الاقتصادي، ويلعب دوراً في إعادة توزيع الثروة، فتحصيل الضرائب من الأثرياء يمكن استخدامه لتمويل خدمات الفقراء .

وقد أدى التطور الاجتماعي والاقتصادي الى تباين في ثروات ودخول الأفراد، وبالتالي توجهت الدول إلى فرض الضرائب على الأموال، سواء كانت ثروة أم دخلاً لاقتطاع جانب منها . وفي العديد من البلدان تفرض الضريبة على الذين يتحقق فيهم شرط دفع الضريبة وفقاً للقوانين المعمول بها دون حقوق مباشرة للدافع، وفي الأنظمة الديمقراطية يتم تحديد قيمة الضريبة بقوانين مصادق عليها من قِبل البرلمانات . فالضرائب يتم اقتطاعها مباشرة من دخل الفرد أو أرباح الشركات، وتشعرالأفراد بالعدالة وبمبدأ الحياد في التكليف، وتزيد من وعيهم الضريبي وإدراكهم بأوجه الإنفاق الحكومي وتؤثر في سلوك الأفراد وتعدل من خططهم في الإنفاق، لكنها قد تتسبب في شعورهم بثقل الضريبة، كما تفرض الضرائب على سلع وخدمات معينة ويدفعها المستهلك المستفيد من تلك السلع، وتعد من أكثر الأنواع تطبيقاً وذلك من حيث إنها سهلة في الجباية وتتسم بمرونة التكليف .

لكن فرض الضرائب قد أدى الى قيام اضطرابات وثورات في عدة بلدان . فعلى سبيل المثال، حينما وسع الملك تشارلز الأول ضريبة السفن التي فُرضت على الموانئ البحرية البريطانية عام 1635م لتشمل المدن الداخلية كان هذا التغيير أحد العوامل التي أدت الى الحرب الأهلية 1642 - 1651م . كما تمكن المتظاهرون في المستعمرات الأمريكية ضد دفع ضريبة رسم الدمغة لعام 1765م إلى بريطانيا من إلغاء هذا القانون في عام 1766م . أما في فرنسا فقد أسهم فرض الضرائب على الفقراء في اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789م . وفي الوقت الراهن تتسبب الضرائب المرتفعة في خفض الأجور وتسريح العاملين ونشر البطالة والتضخم ورفع الأسعار وقلة إنفاق المستهلكين ورفع الفوائد البنكية وخفض القيمة الشرائية للنقود وفساد الأفراد والمجتمعات .

وكان عالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون من أوائل من نبه للتأثيرات السلبية للجبايات المرتفعة، حيث تؤدي في قلة العوائد الى الخزينة وكساد الاقتصاد والأسواق واختلال العمران واضمحلال الدولة، في حين أن الجباية المنخفضة تؤدي إلى ازدهار الإنتاج وازدياد إيرادات الدولة . وقد استفاد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان من نظرية ابن خلدون في هذا المنحى بعد أن شهدت الولايات المتحدة انكماشاً اقتصادياً ومعدلات عالية من التضخم في السبعينات من القرن الماضي، وتمكن من تغيير هيكل الضرائب وتخفيضها بنسبة 25%، فحول بذلك مسار الاقتصاد الأمريكي من الكساد إلى الازدهار، وأصبح عائد الخزينة الأمريكية يفوق عائدها قبل التخفيض الضريبي، وارتفع الناتج القومي وتنامت الثروات وتحسنت الأجور، واعتدلت الأسعار، وتقلصت مستويات البطالة وتزايدت فرص العمل وتحسنت مستويات المعيشة لجميع المواطنين الأمريكيين وشعروا بالرضا والاستقرار واندفعوا نحو العمل الجاد والإبداع .

على الدول العربية ايجاد توازن وتعادل في مجتمعاتها، وتحقيق العدالة في الدائرة الإنسانية على أساس تعادل جميع القيم بما فيها القيمة الاقتصادية البحتة حين تتفاوت الأرزاق المالية بين الناس بحيث لا تفرض الضريبة الحرفية في المال، لأن تحصيل المال تابع لاستعدادات ليست متساوية، فالعدل المطلق يقضي أن تتفاوت الأرزاق من خلال العمل بأنواعه، ليرفع قهر دوافع الحياة وضغط العوز من ناحية وضغط الجهة التي تفرض موارد الضريبة من ناحية أخرى حتى لا تنشأ الفوارق في مستويات الحياة، ويتوقف فيها التكافؤ والتعادل والنماء عند الماديات والاقتصاديات حساباً لمصالح الدولة بما يعارض وحدة الأمة وتكافلها، ووحدة المعنويات المادية في الحياة، ووحدة الغاية بين الأمم الإنسانية، ووحدة الصلة بين الأجيال المتعاقبة على اختلاف المصالح القريبة المحدودة، وعلى هذا يتحدد موضوع العدالة الاجتماعية في القيم المتعلقة بالحق وبحكم الضمير .