غازي العريضي


لم تنطلق المفاوضات الإسرائيلية ndash; الفلسطينية. والسبب كما هو معلوم إصرار الحكومة الإسرائيلية على عدم الوفاء بوعد تمديد تجميد الاستيطان. ومع ذلك حملّت الحكومة أو وزارة الخارجية الإسرائيلية الإدارة الأميركية المسؤولية لأنها تفهمت وجهة النظر الفلسطينية حول رفض الاستمرار في بناء المستوطنات! علماً أن فكرة المفاوضات عادت إلى التداول ثم عقدت اجتماعات ووضعت برامج بعد الاتفاق بين رئيس الإدارة الأميركية ورئيس الحكومة الإسرائيلية. لكن يبدو أن وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان الإرهابي المندفع بقوة نحو رئاسة الحكومة كان أقوى من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو وفرض وجهة نظره مدعوماً من مؤسسات وجمعيات داخل إسرائيل وأميركا!

ليبرمان لم يكتف بنسف المفاوضات، بل نجح في تمرير مشروع قانون يدعو إلى عدم منح الجنسية الإسرائيلية إلا لمن يعلن ويثبت ولاءه quot;لإسرائيل الدولة اليهوديةquot;. على أن يلي ذلك مشروع قانون ثانٍ يجيز سحب الجنسية الإسرائيلية من كل من لا يثبت ولاءه للدولة اليهودية أيضاً.

ماذا يعني ذلك؟

يعني بكل بساطة منذ الولادة يجب أن يثبت، بالدم، بالروح، بالتنفّس، التزامه بالولاء للدولة اليهودية فيعطى الجنسية.

وإذا ثبت لاحقاً أنه ليس وفياً لكل ما تطلبه هذه الدولة منه تسحب منه الجنسية.

يعني، حاملوا الجنسية اليوم معرضون لسحبها تحت العنوان ذاته. ويبدو أن ذلك ليس سوى خطوات عملية لتكريس يهودية الدولة، وبالتالي تكريس الخطر الذي أشرنا إليه أكثر من مرة.

خطر على عرب 48 الذين سحبت منهم الجنسية الإسرائيلية، فيطردون من الأرض، ولن تكون لهم دولة فلسطينية فيتعرضون لشتى أنواع الإرهاب والإذلال ولكل المخاطر.

فكيف تتعزز آمال الوصول إلى المفاوضات ثم إلى التسوية، وصاحب هذه المواقف والقوانين والأفكار هو الذي قال وفي أميركا وبعد خطاب الرئيس أوباما، وبعد الإعلان عن العودة إلى المفاوضات: quot;إن الاتفاق مع الفلسطينيين قد يتطلب عقوداً من الزمنquot;!

وخلال هذه العقود، ومع مثل هذه التصرفات العنصرية الإرهابية الفاشية كما سمّاها أحد وزراء نتنياهو، لن يبقى أثر لمفاوضات ولمنازل وأراضٍ فلسطينية في مناطق كثيرة، لأنها ستتعرض للاحتلال من قبل المستوطنين الصهاينة.

إسرائيل كانت تدرك أن إدارة أوباما التي استقال عدد كبير من أركانها تترنّح، وتحتاج إلى دعم، وتريد مساندة اللوبي اليهودي لها على أبواب انتخابات في الكونجرس.

وتدرك الحكومة الإسرائيلية أن ما تقوم به قواتها الإرهابية على الأرض الفلسطينية يواجه بخجل في أحسن الحالات من قبل الغرب ومجلس الأمن والمنظمات الدولية، فلماذا لا تستفيد إذاً من هذه الفرصة لاسيما وأن الواقع الفلسطيني مؤلم لناحية الانقسام والاتهامات المتبادلة بين القيادات الفلسطينية، وأن الواقع العربي سيء للغاية، وقد ظهر ذلك بوضوح في قمة quot;سرتquot; الأخيرة حيث يتباهى بعض القادة العرب أنه لم تمتد اليد للبعض الآخر للمصافحة!

حتى المصافحة لم يتمكن سعاة الخير من توفيرها. فكيف بالمصالحة؟ وحده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تجاوز هذه الحالة في قمة الكويت الاقتصادية، وطوى الصفحة ومدّ يده لكل القادة العرب ومع ذلك لا يزال بعضهم عاتباً عليه، يدير ظهره لأي مبادرة وكأن إصلاح البيت العربي وضغط المصالح الوطنية والقومية ومنع الأعداء من التفرّد والاستهداف، وتوفير الحضور اللائق في أوروبا والغرب وأميركا يتم عن طريق الحقد أو الخفة أو العناد في وقت تتعرض فيه القضية الفلسطينية لمحاولات تصفية.

ويتم تقاسم العراق بين أميركا وإيران، وسوريا وحدها حفظت لنفسها موقفاً ودوراً، وهذا البعض يدّعي أيضاً أنه يؤمن quot;الحالة الفارسيةquot; في المنطقة فيما هو جزء من quot;الحالة العربيةquot; المترهلة وغير قادر على فعل شيء.

ثمة فراغ عربي والفراغ سيأتي من يملأه. ولا نزال في الدائرة. إسرائيل تحتل موقعاً، إيران تتقدم خطوات إلى مواقع، وتركيا تحتل موقعاً متقدماً وتقوم بحركة استثنائية محورية ومواقع العرب استخدم بعضها من قبل الغير واحتل بعضها الآخر، ويستهدف ما بقي منها..

الهدف الإسرائيلي الأساسي: فلسطين. تخسر إسرائيل في الأمن والحروب وتربح في السياسة. فيما نحن نربح في الحروب ونتعقب شبكات التجسس والعملاء لكننا نخسر في النهاية.

إسرائيل اختصاصية في تحويل هزائمها إلى انتصارات، ونحن اختصاصيون بارعون في تحويل انتصاراتنا إلى هزائم.

وإسرائيل لا تريد أفضل من مشهد الانقسام والتشتت واستهداف العرب لبعضهم بعضاً لكي تنقض على الجميع ولا لوم على غيرها ممن يأتي لملء الفراغ ما دام أهل الدار قد أهملوا دارهم وضيعوا قرارهم.