غسان العزي

لحظة وصوله إلى البيت الأبيض كرر الرئيس أوباما الوعد الذي أطلقه حين كان مرشحاً للرئاسة والقاضي بإطلاق المفاوضات الفلسطينية-rdquo;الإسرائيليةrdquo; التي توقفت في عهد سلفه جورج بوش بحثاً عن حل للصراع العربي-rdquo;الإسرائيليrdquo;، وهو حل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان شاملاً كل الملفات الأخرى أي السورية واللبنانية بالتحديد . وبعيد استلامه لمهامه الرئاسية اتصل بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وعين جورج ميتشل مبعوثاً له لإطلاق هذه المفاوضات وهو الذي برهن عن قدرة واحترافية في مجال فض النزاعات لاسيما في نزاعي البوسنة-الهرسك (اتفاق دايتون 1995) وايرلندا (اتفاق ستورمونت 1997) .

شاء الحظ البائس للفلسطينيين أن ينتخب بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; تزامناً مع وصول أوباما للسلطة . وزعيم الليكود المنتخب معروف بتشدده ورفضه لاتفاقات أوسلو، وفي سجله افشال لوساطة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في مفاوضات شيبرزتاون في العام 1998 مع ياسر عرفات بل وتهديده بrdquo;إحراق واشنطنrdquo;، وقتها، إذا ما مارست ضغوطاً فعلية على ldquo;إسرائيلrdquo; في موضوع السلام مع الفلسطينيين .

والبرنامج الذي على أساسه انتخب نتنياهو مكان اولمرت زعيم كاديما كان واضحاً لجهة الاستمرار في تهويد الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات وتكريس ldquo;يهودية الدولة الإسرائيليةrdquo; في أية مفاوضات مزمعة . كما أن تعيين المتطرف ليبرمان وزيراً للخارجية كان ينبىء بما ستكون عليه السياسات ldquo;الإسرائيليةrdquo; في عهد حكومة نتنياهو .

رغم ذلك فإن أوباما الذي مارس سياسة الايفاء بوعوده الانتخابية أنه قدم كل الدعم لمبعوثه ميتشل كي يقود مباحثات بين الفلسطينيين وrdquo;الإسرائيليينrdquo; تؤدي إلى مفاوضات غير مباشرة ثم مباشرة أقله قبل انتخابات الكونغرس النصفية المزمعة في بداية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل . خلال الجولات المكوكية لميتشل بدا واضحاً أن نتنياهو لايريد أن يتزحزح قيد أنملة عن مواقفه المتشددة، لاسيما في موضوع الاستيطان وكان واثقاً من قدرته على إلزام أوباما بالتراجع وهذا ما حصل . ويبدو لأسباب داخلية على الأقل أن الرئيس الأمريكي يفضل التراجع أمام ldquo;الإسرائيليينrdquo; بديلاً عن ممارسة الضغوط عليهم . وكل ما تمكن من الحصول عليه هو تجميد مؤقت للاستيطان لمدة عشرة أشهر بعد أن كان يطالب بالوقف التام لهذا الاستيطان الذي تعتبره الأمم المتحدة كما المجموعة الدولية برمتها بما فيها الولايات المتحدة غير شرعي ويضر بمحاولات التوصل إلى السلام .

في أغلب الظن أن المفاوضات حاجة أمريكية بالتحديد وفي هذا الوقت بالذات عشية انتخابات الكونغرس . فالرئيس الأمريكي بحاجة إلى الظهور بمظهر من يفي بكل وعوده ومن يضغط على العرب والفلسطينيين تحديداً وليس على ldquo;الإسرائيليينrdquo; الذين أكدوا في غير مناسبة الاستمرار في دعمهم وتحالفه معهم مهما كانت الظروف .

لقد صور ريمون آرون الدبلوماسي على أنه رجل أنيق الملبس والكلام يقف خلفه رجل يعتمر خوذة القتال ويحمل السلاح، بمعنى أن كل مفاوضات ليست إلا تظهيراً سياسياً للقوة العسكرية التي يمتلكها من يجلس على طاولة المفاوضات . والمعروف أن ldquo;إسرائيلrdquo; هي الأقوى في وجه مفاوض فلسطيني يفتقر إلى كل أسباب القوة والدعم . وإذا كانت الحذاقة الدبلوماسية، أو فن التفاوض، قادرة أحياناً على التعويض عن بعض مكامن القوة فإن الانقسام يجرد الفلسطينيين من بقية أوراقهم التفاوضية . كان يمكن لوجود فريق مسلح فلسطيني رافض ومتشدد أن يشكل ذريعة للمفاوض الفلسطيني ldquo;المعتدلrdquo; كي يستحصل على تنازلات من الطرف المقابل، لكن هذا الانقسام التي عجزت كل الوساطات عن رأبه أضحى عقبة حقيقية أمام أي أمل بالتوصل إلى تسوية تحفظ الحد الأدنى المقبول من الحقوق الفلسطينية . والأخطر من ذلك أن الانقسام الفلسطيني يغذي ويتغذى من انقسام عربي بين محوري ldquo;الاعتدالrdquo; وrdquo;الممانعةrdquo; والذي يعمل واحدهما على إعاقة الآخر بدل أن يتكاملا كما ينبغي لكل انقسام سياسي (وهو أمر طبيعي ومشروع) أن يكون في لحظة التفاوض مع عدو خارجي مشترك .

وإذا كانت إدارة أوباما قادرة على ممارسة الضغوط على دول ldquo;الاعتدالrdquo; العربي ومن خلالها على الجامعة العربية من أجل الذهاب إلى المفاوضات في ظل التعنت ldquo;الإسرائيليrdquo; فإنها لن تكون قادرة على تخريج حل ldquo;إسرائيليrdquo; لايقبل به العرب مهما كانوا ضعفاء . لقد تكلم جورج بوش كثيراً عن الدولة الفلسطينية لكنه لم يذكر حدودها وعاصمتها وبقي صامتاً حيال حق العودة والاستيطان وما شابه فكانت هذه الدولة مجرد شعار في خطابات .

واليوم فإن كل ما يفعله أوباما هو الإعلان عن القناعة الأمريكية المستمرة بأن الحل يقوم على دولتين متجاورتين تعيشان بسلام ووئام . لكن هذا كلام يواجه صعوبات ldquo;إسرائيليةrdquo; لدى ترجمته إلى واقع . فللدول حدود وعواصم واقتصاد وسيادة وشعب وغير ذلك من عناصر الاستمرار والحياة . والبحث في هذه العناصر في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية المزمعة يفرض أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً جدية حقيقية على ldquo;إسرائيلrdquo; كما سبق ومارست على دول عربية عديدة (ليبيا، العراق، السودان، سوريا) في قضايا أقل عدالة وأهمية من قضية حل صراع مزمن يشكل تهديداً للأمن والسلم الدولين . فهل تفعل؟ نشك بذلك .