عبد الرحمن الراشد

لا توجد عندي حساسية من إقامة رابطة لدول الجوار العربي، التي اقترحت على قمة العرب الماضية في سرت، على الرغم من اعتقادي أن الرابطة فكرة خاطئة ومضرة بالأمن العربي، لكن مهما كان الموقف لا أفهم لماذا الاستعجال في إدخال تركيا وإيران واعتبارهما حالة طارئة.

ما الأمر العاجل في إلحاق هذين البلدين بجامعة مشهورة بأنها أبطأ من السلحفاة؟ ما الفائدة التي سيضيفها الإيرانيون للعرب وهم غارقون حتى آذانهم في مشكلات دولية وداخلية؟ أيضا ما الذي يمكن أن يفعله الأتراك، وهم الذين عجزوا عن الأخذ بثأرهم من إسرائيل التي قتلت تسعة من مواطنيهم في عرض البحر في هجومها على قافلة الحرية الإغاثية؟

المسألة في نظري لا تستحق تكاليف تذاكر السفر التي ستنفقها الحكومات العربية على وفودها الذين سيسافرون لحضور الاجتماع العاجل، والأحرى ترك الأمر يسير مع بقية القضايا العربية الواقفة في طابور المعاملات داخل الجامعة منذ سنوات، فلا شيء سيتبدل إن دخل الأتراك والإيرانيون أم لا.

القصة سأرويها بإيجاز. همس خبراء الجامعة العربية بجملة laquo;منظومة العمل العربي المشتركraquo;، جملة مطاطة هدفها أن لا توقظ الوفود النائمة في الجامعة العربية. ثم ألحق بها شرح هامس يقول: laquo;المطلوب إقامة رابطة الجوار العربيraquo;. وهذه أيضا كلمة مطاطة، لأن الجوار قد يعني 11 بلدا مثل إثيوبيا والسنغال وتشاد. لكن اتضحت الصورة لاحقا، بعد أن عادت الوفود إلى بلدانها، بأن المقصود بالجوار هنا تركيا وإيران، والحقيقة أن المقصود به إيران فقط. هنا استيقظ بعض العرب في فزع، ليكتشفوا أن القرار سيقر حتى من دون تصويت!

وهكذا اتضح أن الكلمات الجميلة laquo;منظومة العمل العربي المشتركraquo; تعني إدخال إيران! قرار خطير وأمر مروع لم يحدث في تاريخ الجامعة العربية مثله أبدا. إذن هنا مشروع هدفه فتح الباب لإدخال الذئب الإيراني إلى مزرعة الحملان العربية. لهذا تنادت الدول تندد وترفض.

وليست هذه هي المرة الأولى في محاولات إيران التسلل إلى قلب العالم العربي الذي لم يكتف نظامه المتطرف بأنه يحكم غزة ولبنان اليوم. فقد سبق أن ابتدع في البداية مشروع حلف رباعي تدخل فيه إيران مع تركيا وسورية والعراق، لكن الفكرة أثارت مخاوف الدول الأخرى، خاصة أن المشروع بدا هدفه ضم العراق إلى إيران والبقية مجرد ديكور. لم ينجح الحلف، فاخترعوا مصطلحا جديدا اسمه laquo;منظومة العمل العربي المشتركraquo; يريد إلحاق الإيرانيين بالجامعة العربية، وما جيء بالأتراك إلا كديكور أيضا، فهل سيقبل العرب حلفا فيه الحرس الثوري وأحمدي نجاد، ونصف العرب في حالة عداء واستنفار عسكري ضدهم؟

لا أحد يقلق من الأتراك لأنهم حتى الآن بلا مطامع صريحة، ويلعبون دورا إيجابيا. وبالإمكان التعاون مع أنقرة على كل المستويات، بصفة ثنائية. لن يعترض أحد من أعضاء الجامعة العربية على التعاون مع تركيا ثنائيا وجماعيا في كل المجالات، من شراء المنتجات الزراعية إلى التعاون العسكري، لكن كثيرين سيرفضون صفقة يباع فيها القط التركي مع الجمل الإيراني. فالعلاقة مع إيران لا تزال محل خوف وحذر، بل ورفض. سيتغير الوضع متى ما قدم الإيرانيون كل الضمانات بأن برنامجهم النووي ليس عسكريا موجها ضد الخليج، وأن خلاياهم وشبكاتهم النائمة واليقظة في الخليج قد سحبت، وأن مشروعهم بالسيطرة على العراق لم يعد موجودا، حينذاك أهلا بهم في الجامعة وكل المنطقة العربية.