ظافر محمد العجمي
جامعة الدول العربية هي مخزن الذكريات الأليمة laquo;The Hurt Lockerraquo; ليس لأن المجتمعين فيها منذ مارس 1945 قد تخاصموا ثم تصالحوا، واختلفوا ثم اتفقوا، ووعدوا ثم ماطلوا، وأقسموا بالـraquo;لاraquo; 3 مرات ثم حنثوا، وغضبوا في 1956 ثم بكوا في 1967 فحسب، بل لأنها في التمويه تشابه الفيلم الذي يحمل نفس اسم laquo;خزانة الألمraquo;، وحصل على 3 جوائز أوسكار من laquo;أكاديمية فنون وعلوم السينما الأميركيةraquo;. فقد قام بدغدغة حواس الأمهات الأميركيات وأظهر نبل فنيي تفكيك القنابل الأميركيين، فيما همّش عن قصد صورة المواطن العراقي الذي ملأ أفق مسرح تلك الأحداث التي جرت في العراق بعد سقوط الطاغية 2003.
في القمة العربية الاستثنائية التي اختتمت أعمالها بمدينة سرت الليبية 9 أكتوبر 2010 فتح الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى laquo;خزانة الألمraquo; مجددا، لكنه حاول هذه المرة إدخال دول مجلس التعاون في الخزانة دون بقية العرب، من خلال مشروعه المسمى laquo;رابطة الجوار العربيraquo; ليضم جمهورية إيران الإسلامية وتركيا إلى الحظيرة العربية. وكان لابد أن يأتي ذلك إثر خطوة نبيلة هي تطوير آلية العمل العربي في الجامعة، بل تغيير مسماها إلى laquo;اتحاد دول عربيةraquo;.
لقد تكفل الرئيس المصري حسني مبارك بتسفيه مقترح عمرو موسى الخاص بتطوير آلية العمل العربي، لأنه قد اشتم فيه رائحة منكرة ووصفه بالارتجال، وطالب بالعمل وفق دراسة متأنية وبحث مشبع للارتقاء به عبر لجان متخصصة حتى لا تشكل عملية التطوير انتكاسة للعمل العربي.
ثم جاء المقترح الثاني المسمى laquo;رابطة الجوار العربيraquo;، وقد رفضته دول مجلس التعاون بحزم، بل دُفعت إلى خروج قرارات حيال الموضوع تضمنت:
أولا: تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس القمة تكون مفتوحة العضوية لمواصلة دراسة مقترح laquo;إقامة منتدى الجوار العربيraquo; من كل جوانبه، وكذلك التوقيت الملائم لاعتماده بالاستعانة بفريق من الخبراء السياسيين والقانونيين والاقتصاديين.
ثانيا: الطلب من الدول الأعضاء مواصلة تزويد الأمانة العامة بمرئياتها واقتراحاتها في هذا الشأن.
ثالثا: تكليف اللجنة الوزارية المعنية بتقديم تقرير عن تقدم أعمالها إلى الاجتماع القادم لمجلس الجامعة على مستوى القمة في مارس 2011.
مما يعني دفن الموضوع في لجان ستتكفل بتذويبه قبل موعد مجلس الجامعة، وهنا تقفز استفسارات عدة عن أسباب الاقتراح وأسباب الرفض الخليجي، فهل وقوف ليبيا وهي جزء من محور ضمن المحاور الموجودة في الساحة العربية الدالة على التقدمية أو الطليعية أو الثورية أو معاكسة المحاور العربية التقليدية التي تشكل مصر ومجلس التعاون جوانبها، يضع المشروع في خانة عدم القبول؟ لقد مللنا من شعارات زائفة ذات وقع تحرري على الأذن فقط.
الكلمات المناسبة التي كانت تنظر على رأس القلم، قفزت حال ظهور مقترح laquo;منتدى الجوار العربيraquo; لتصفه بـ laquo;الشرق الأوسط الكبير - النسخة الإيرانيةraquo; إشارة إلى المشروع الذي أطلقته الإدارة الأميركية عام 2004 تحت اسم laquo;الشرق الأوسط الكبيرraquo;، وكان القصد منه تعويم المنطقة الجغرافية التي تضم العالم العربي وتخومه غير العربية، لتصبح هيكلا يضم إسرائيل وتركيا وأفغانستان وإيران، مما يعني الإجهاز على البعد القومي العربي ليس في الشرق الأوسط الكبير فحسب، بل في الوطن العربي نفسه، كخطوة لتفكيك الجامعة العربية وتهيئة الأجواء لإسرائيل للعب دور أهم.
كما تجاهل السيد عمرو موسى نظرية خطوط الصدع الحضارية laquo;Fault lineraquo; التي قال بها صموئيل هنتنغتون عن الانشقاقات الحضارية والسياسية والاقتصادية حتى العسكرية بيننا وبين الجارة العزيزة جمهورية إيران الإسلامية، لكونها على الحافة الحضارية للعرب شرقا. فقد دعونا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لقمة مجلس التعاون الـ28 في الدوحة التي عقدت عام 2007م، وبدلا من وضع خارطة طريق للتعاون الاقتصادي، فرش لنا سيد طهران خارطة مليئة بالإحداثيات العسكرية والتحالفات الدفاعية، وكانت بضاعة هزيلة مقارنة بما هو متوفر لنا في سوق حلف شمال الأطلسي. وما جدوى مقترحات عمرو موسى إذا كان وزير الخارجية الكويتي -والكويت رئيسة الدورة الحالية لمجلس التعاون- قد قال في تصريحات سابقة: إن حل القضايا العالقة مع إيران هي الخطوة التي تسبق كل شيء في مجال التعاون معها!!
إن هناك حديثا عن قرب مغادرة السيد عمرو موسى للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، فهل يعتقد موسى أن الجامعة دورة تاريخية اكتملت ويجب أن تنتهي، وأراد أن يضع لنفسه اسما في سجل إنجازات الجامعة من خلال تغيير هيكلها، ومن خلال هدم بعض أسوارها لدخول إيران وضياع معالم حدود الجامعة؟! أم أن كل ما جرى كان مماحكات مصرية صرفة بين الرئيس حسني مبارك المقبل على انتخابات رئاسية صعبة وبين عمرو موسى الذي تتردد ولو بخجل نيته لخوض تلك الانتخابات، وأن استنجاده بالقذافي كان جزءا من ذلك السياق؟!
ربما، لكن الأكيد أن ما جرى من تغييب لنا في أمر يمس الخليج العربي بالدرجة الأولى أثناء تحضير هذه المقترحات قد أدخلنا في laquo;خزانة الألمraquo; على منهجية العمل في الجامعة العربية، التي عليها أن تعيد تعريف نفسها.
التعليقات