كاميليا انتخابي فارد

بقدر ما يشعر بعض اللبنانيين أن إيران استخدمت بلادهم كساحة حرب مع إسرائيل، هناك في المقابل الكثير من الإيرانيين الذين يستاؤون من تقديم حكومتهم مساعدات مادية غير محدودة لحزب الله وحركة حماس

لا تزال الزيارة التي قضاها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في لبنان على مدى يومين تحظى باهتمام وتحليلات أجهزة الإعلام العربية والإيرانية. الزيارة التي اتخذ الكثيرون موقفا مسبقا منها واعتبروها quot;استفزازيةquot; وقالوا إنها سوف quot;تسبب الفرقة بين الأطراف السياسية في لبنانquot;، تبين أنها لم تكن كما كان يتوقع أو يتخوف البعض.
قبل عدة أسابيع من هذه الزيارة، قالت أجهزة الإعلام إن الرئيس الإيراني ينوي إلقاء حجارة عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وإنه سيستغل زيارته لتعزيز دعمه لحزب الله ضد الأطراف اللبنانية والإقليمية الأخرى، وإنه قد يثير المسألة الطائفية خلال زيارته. لكن جميع هذه التوقعات لم تكن صحيحة، وبدا أن أحمدي نجاد كان حذرا من نتائج أي موضوع يتطرق إليه في خطاباته دون دراسة جيدة.
وبالرغم من الإعلان المسبق عن نية الرئيس الإيراني زيارة الحدود اللبنانية-الإسرائيلية لتدشين quot;حديقة إيرانquot;، والتي تقع على الجانب اللبناني مع الحدود مع إسرائيل الذي تعرض لقصف شديد أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، إلا أن هذه الزيارة ألغيت فيما بعد من برنامج الرحلة.
موقع quot;حديقة إيرانquot; والمناطق اللبنانية الأخرى التي تعرضت للدمار أثناء حرب صيف 2006، مثل بنت جبيل، أعيد بناؤها بمساعدات إيرانية كبيرة، وتم إنشاء حديقة عامة على نفقة الحكومة الإيرانية أطلق عليها اسم quot;حديقة إيرانquot;.
كانت هناك حوالي 4 كيلومترات تفصل بين حديقة إيران وبين المكان الذي ألقى فيه الرئيس الإيراني كلمته. ويبدو أن حزب الله نصح أحمدي نجاد ألا يكون مرئيا بشكل مكشوف أمام القوات الإسرائيلية لأن ذلك قد يعرض حياته للخطر، ولأن مثل تلك الخطوة قد تثير الكثير من الجدل.
وفي بنت جبيل، تحدث أحمدي نجاد أمام آلاف من مؤيديه عن ضرورة تحقيق الوحدة اللبنانية وقدم الشكر لجميع مضيفيه، وعلى رأسهم الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس الوزراء الشيخ سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وصولا إلى زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، وكان من اللافت أن الرئيس الإيراني لم يخص الطائفة الشيعية في لبنان بأي كلمة أو عبارة تفضيلية تميزهم عن باقي فئات الشعب اللبناني.
يعتقد بعض السياسيين في لبنان أن حزب الله أقنع رئيس الوزراء اللبناني وباقي أقطاب المعارضة اللبنانية بالموافقة على زيارة الرئيس الإيراني بسبب المساعدات المالية التي وعدت إيران بتقديمها إلى لبنان.
وقد وقع البلدان اتفاقيات متعددة بقيمة 450 مليون دولار تتعلق بمجالات مختلفة مثل النفط والغاز والماء والكهرباء والصحة والتمويل. ومن جانبه، كان الرئيس أحمدي نجاد يحتاج كثيرا إلى هذه الرحلة لإظهار شعبية حكومته بين الناس العاديين في لبنان رغم تردد الحكومة اللبنانية. لكن كثيرا من المراقبين يقولون إن الاستقبال الكبير الذي لقيه أحمدي نجاد في بيروت لم يكن تعبيرا عن تأييد الناس للحكومة الإيرانية الحالية أو المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، لكنه كان تعبيرا عن شكر المواطنين اللبنانيين الذين شاركوا بالاستقبال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي وقف معهم خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.
ربما تمكن كرم أحمدي نجاد من رشوة قلوب كثير من اللبنانيين الذين تجمعوا في بيروت لاستقباله، لكن كان من اللافت غياب ذكر المرشد الأعلى عن لافتات الاستقبال الترحيبية. فبين جميع اللافتات التي غطت جوانب طريق مطار بيروت وصولا إلى بنت جبيل، والتي كانت ترحب بزيارة الرئيس الإيراني، لم تكن هناك أكثر من بضع لافتات قليلة تحمل صور المرشد الأعلى علي خامنئي أو حتى آية الله الخميني، وبدا كأن الرئيس أحمدي نجاد هو الشخص الوحيد المسؤول عن تقديم جميع تلك المساعدات إلى لبنان.
السؤال الآن هو كيف تستطيع إيران أن تستمر في تقديم الدعم المادي والمساعدات للبنان في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الإيراني مشاكل وأزمات حقيقية. العقوبات الدولية على إيران شلت الاقتصاد الإيراني، وستقوم الحكومة الإيرانية قريبا بوقف الدعم عن عدد من البضائع والمواد التموينية، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع أسعارها وارتفاع نسبة التضخم في البلاد، وليس من الواضح كيف سيتعامل الإيرانيون في هذه الحالة مع أنباء تقديم مساعدات خارجية لدولة مثل لبنان. بقدر ما يشعر بعض اللبنانيين أن إيران استخدمت بلادهم كساحة حرب مع إسرائيل، هناك في المقابل الكثير من الإيرانيين الذين يستاؤون من تقديم حكومتهم مساعدات مادية غير محدودة لحزب الله وحركة حماس في الوقت الذي يعاني الشعب الإيراني من أزمات اقتصادية خانقة. فلماذا يحتاج الرئيس الإيراني إلى كل هذه الشعبية والتأييد في لبنان إذا كان المواطن الإيراني العادي غير راض عن سياسة حكومته في تقديم المعونات لدول وجهات خارجية؟ ربما يكون الجواب هو أن هذا التأييد سيزيد من قوة أحمدي نجاد في مواجهة خصومه.
ولكن هل سيتحول المرشد الأعلى للثورة في إيران إلى أحد خصوم الرئيس الإيراني في المستقبل القريب؟ هذا ما ستكشفه الأحداث القادمة.