ياسر الزعاترة

بحسب صحيفة laquo;نيويورك بوستraquo; الأميركية، فإن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لم يغير بدلته وقميصه طوال أسبوع من إقامته في نيويورك، من أجل المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تذكرنا هذه القصة، ومعها جدل زيارته الأخيرة إلى لبنان، بظاهرة نجاد التي تبدو حالة فريدة في سياق الزعامات الموجودة في طول العالم وعرضه، وقليلا ما تتوفر بهذا القدر من الإثارة، فمنذ فوزه بالدورة الأولى للرئاسة كان الرجل مفاجأة الساحة الإيرانية التي لم تعتد هذا اللون من القيادات خلال مسيرتها بعد الإمام الخميني.
نموذج نجاد هو النموذج الذي تبحث عنه الشعوب، أعني نموذج النزاهة الشخصية والترفع عن المكاسب، فقد اعتاد العالم، بخاصة العالم الثالث، على زعماء فاسدين، وأقله زعماء يَفسُدون خلال وجودهم في الحكم، لكن الرجل لم يكن كذلك، فقد قاد بلدية طهران الضخمة وخرج منها دون مكاسب، وها هو يقود البلاد لولايتين ولا يزال على وضعه الاقتصادي البسيط.
هذا البُعد في شخصية نجاد هو الذي منحه التفوق على خصومه الذين ينتمون لعالم الطبقة المخملية والبزنس laquo;البازارraquo;، والذين غرقوا وبعض أبنائهم في الفساد، ولو لم يكن كذلك لكان من السهل عليهم التفوق عليه. والنتيجة أن الرجل قد فاز فعلاً في الانتخابات من دون حاجة إلى التزوير، لأن الأكثرية الفقيرة قد صوتت له إعجابا بنموذجه (نتذكر في هذا السياق تصريحا لأحد مساعدي الرئيس الفلسطيني ردا على تصريح لنجاد حول عدم شرعية القيادة الفلسطينية للتوقيع باسم الشعب الفلسطيني، حيث قال إن رئيسه فاز في انتخابات نزيهة شفافة خلافا للرئيس الإيراني!!).
نموذج الحاكم النزيه الذي لا يفسد هو ولا أبناؤه هو النموذج الذي يحبه الناس في الشرق والغرب، وهو النموذج الذي قدمه نجاد، أقله إلى الآن، فضلا عن الثقة بقدرات شعبه.
من الجوانب المثيرة في شخصية نجاد إيمانه العجيب بقصة المهدي المنتظر (الإمام الغائب) على رغم كثرة الأسئلة التي تطرحها، ووجود من يشكك فيها ويتحدى إثبات صحتها، كما هو حال المفكر الشيعي (من أصل عراقي) أحمد الكاتب، ووصل الحال بنجاد حد القول إن يد المهدي تدير العالم (قال إنه هو الذي سيحرر فلسطين أيضا مع المسيح المنتظر)، مع أن المنطق يقول إن عليه أن يظهر ما دام يملك قوة بحجم إيران يمكنها حمايته، ولا أقول ذلك من باب السخرية، إذ من حق أي أحد أن يعتقد ما يشاء، ولكني أتحدث عن الشخصية المثيرة والمركبة للرجل.
كثيرة هي الملاحظات التي يطرحها خصوم نجاد عليه، ومن أبرزها مغامراته في تحدي الولايات المتحدة، وبالتالي إمكانية تهديده لمصالح إيران، لكن الرجل يبدو واثقا بقدرات بلده وشعبه وإمكانات صموده على نحو يثير الإعجاب، مع أن تراجع إيران في اللحظة الحرجة ليس مستبعدا، لا سيما أن قرار السياسة الخارجية لا يصنعه الرئيس وحيدا، بل بتوافق مع القائد خامنئي والقيادة العسكرية والأمنية.
مرة أخرى، نتحدث عن نموذج قائد، وليس عن إيران وسلوكها السياسي، لأن في السلوك المذكور الكثير من الأخطاء والخطايا التي يمكن للمراقبين الحديث عنها، لا سيما في السياق العراقي، إلى جانب التسامح مع نشاطات تبشير مذهبي تثير السنة، ويقوم بها بعض من يسمون laquo;الشيرازيينraquo;، ويضيف البعض مسألة اضطهاد السنة في إيران، وذلك مقابل دعم واضح للمقاومة في فلسطين ولبنان، وربما في أفغانستان أيضا، بصرف النظر عن دوافع ذلك الدعم، مع التذكير بأن شعار خصومه laquo;الإصلاحيينraquo; هو: laquo;لا غزة ولا لبنان، كلنا فداء إيرانraquo;، وهم قوم لو استلموا السلطة لعرف العرب مواقف في منتهى السوء، دافعها القومية وليس الدين أو المذهب، من دون استبعاد استخدام المذهب، وقد دعا كثير من رموز التيار غير مرة إلى ضرورة التحالف مع الولايات المتحدة، بل والتفاهم مع الدولة العبرية أيضا.
أسوأ ما يمكن أن يحدث في سياق المقارنة مع إيران هو أن يظهر المحسوبون على السنة بصفة المتعاون مع الولايات المتحدة ومع الكيان الصهيوني، بينما تظهر إيران بصفة المقاوم والمتحدي لهما، حتى لو قيل إنها تتعاون مع واشنطن في العراق، لا سيما أنه تعاون يعبر عن مأزق الولايات المتحدة وليس إيران.
نتحدث عن نموذج نتمناه حتى في برلمانيي العالم العربي، فضلا عن السياسيين التنفيذيين وأصحاب القرار، لكن زواج السلطة والثروة في عالمنا ما زال يدمرنا ويجعلنا نتوق إلى نموذج نجاد، أعني نموذج النزاهة الشخصية والانتماء الحقيقي لمصالح البلاد والعباد (حتى لا يصطاد موتور في المياه العكرة ويتهمنا بالترويج لإيران، وربما للتشيع أيضا).