بيروت - من فاطمة عطفة

لبنان ليس فقط بلد الجمال والحرية والتعدد السياسي، بل إن من يزور هذا البلد الجميل يجد نفسه لم يغادر بيته وأهله وأصدقاءه. ومن يعيش مثلي بعيدا عن بلده، وسط كرنفال عجيب من عشرات اللغات المتشابكة، يجد أن المتعة الأولى التي تشرح الصدر هي حضور اللغة العربية بقوة في الأحاديث والأسواق واللوحات والمواصلات والصحف وقنوات البث، رغم عشرات الآلاف من السياح والزوار الأجانب الذين يتدفقون إلى لبنان كل يوم. ولم يكن التواصل مع أهم المثقفين والإعلاميين متعثرا كما هي عليه الحال عند بعض النجوم في بلدان أخرى، حيث يجابه المتصل بصوت التسجيل الآلي.. ثم لا حياة لمن تنادي، لأن النجوم الذين فتنتهم الصورة تركوا لمديرة الأعمال مهمة الرد والتحقيق البوليسي الذي يذكرك بضيافة بعض المخافر الأثرية. في بيروت، المدينة العربية الاستثنائية بحريتها وانفتاحها وطيبة أبنائها، كان الجو وديا حميما.
ضيفتنا اليوم مقدمة نشرة الأخبار والبرامج الثقافية من قناة NBN الإعلامية المتميزة هالة الطويل التي استقبلتنا بابتسامتها الجميلة ووجهها البشوش كما هي دائما في إطلالتها على الشاشة، ويطيب لي أن نرافقها ونتابع حديثها وما تراه في الإعلام العربي.
* بين العلوم الاجتماعية والإعلام مسافة، وإن كانت لا تخلو من جسور للتواصل، كيف توصلت من خلال دراسة هذه العلوم إلى محبة الإعلام؟ هل السبب معرفتك بالمجتمع أم أن هناك أسبابا أخرى وراء اختيارك للإعلام؟
* 'دراستي لم تكن لها علاقة بدخولي في عالم الإعلام، فعالم العلوم الاجتماعية لا يمت بصلة لعالم الإعلام، أنا دخلت الإعلام بمحض الصدفة. الدراسة تفيد في بعض الأحيان، لكن الدراسة الأكاديمية من وجهة نظري تخدمك في مواقع محددة، ولا تخدمك في مواقع أخرى كمجال الإعلام، فهو مجال واسع حيث من الممكن أن تكتسبي من خلال الممارسة والتجارب، وهذا قد لمسته من خلال علاقاتي مع الزملاء، حتى الدراسة الأكاديمية الإعلامية لا تخدمك كثيرا. مجال الإعلام هو خبرة تعملين عليها حتى تنضج من خلال عملك اليومي والممارسة. حبي لمجال الإعلام من زمان، كنت في البداية مراهقة وكنت أتأثر ببعض الوجوه الإعلامية التي تطل على الشاشة، وكنت أقول لنفسي كم هو جميل هذا العالم، لكن لم أكن أشعر بأنه من الممكن أن أكون فيه، فهو عالم له خصوصيته. وهذا لأني كنت غير ناضجة وغير واعية. لقد وصلت له في الصدفة عن طريق صديقة وليس لها علاقة بالإعلام، فقد شاهدت إعلانا في احدى المحطات يطلبون من خلاله مذيعات وقالت لي أنا أشعر بأنك قريبة من هذا المجال، ما هو رأيك؟ وهذا ما حصل، مع العلم أنه في لحظة من اللحظات كنت أخاف. عندما دخلت هذا العالم أحببته كثيرا، ولي الآن عشرون عاما فيه، اختبرت هذا العالم الرائع الذي هو عالم متعب، ولكن له رسائله المتعددة وخصوصيته. اليوم لم أعد أخاف، وأصبحت أقدم على كل شيء صعب كي أثبت أنني على مقدار كبير من المسؤولية. إذاً، الصدفة هي كانت سبب دخولي في هذا المجال فوصلت إلى مكان كنت أطمح الوصول له في لحظة من اللحظات'.
* أنت في هذا العمر وهذه النضارة ولمسة الجمال الموجودة فيك، هل برأيك الجمال وحده يوصل الإعلامية بشكل خاص قبل الإعلامي لمراكز متقدمة؟ أم أنه يجب أن تكون هناك مزايا أخرى.. وما هي بنظرك؟
* 'حسب قناعتي الجمال لا يوصل. من الجميل أن تكون لدى مقدمة البرامج مسحة جمال كي يتقبلها المشاهد، فنحن نعرف إعلاميين كثرا لم يكونوا يمتلكون الجمال ولكن يثبتون حضورهم ووجودهم، وخلفياتهم الثقافية والعلمية والأدبية والفكرية هي التي تترك أثرها من حيث لا يدري المشاهد، لأن المشاهد مع الوقت، حتى لو كانت المقدمة جميلة، يتعود على شكلها ويحفظها وينظر إلى ما وراء هذا الشكل وما الذي تملكه هذه المذيعة من معرفة وثقافة، هذا الجمال يجب أن يترجم إلى أعمال وبرامج معينة توصلين من خلالها رسائل إلى المشاهد تساهم في تطور المجتمع'.
* تقدمين البرامج الثقافية والسياسية، ما هي أحب البرامج إلى نفسك؟ وكيف تقومين بالتحضير لها؟
* 'أنا أحب أن أكون ضمن الحوار السياسي لأنني من الأشخاص الذين عاشوا الجو السياسي منذ الصغر. فالمعاناة التي عشناها في لبنان على مدى سنين منذ الاجتياح الإسرائيلي حتى اليوم، وكذلك الجو في منزلي كان جوا مشحونا بالسياسة، وهذا الشيء ترك أثرا في داخلي. وأي شخص يحيا في لبنان يعيش الأثر السياسي في داخله، حتى لو كان لا يمارس السياسة ولا يقدم البرامج السياسية. لقد تم اختياري من أجل تقديم برنامج ثقافي، لكن للأسف في لبنان والعالم العربي لا يوجد إقبال على هذا النوع من البرامج، ولكني أصر على الاستمرار في تقديم هذا البرنامج حتى لو كان هنالك عشرة مشاهدين فقط يتابعون، فأنا أقدم برنامجا هادفا، ونحن نحاول أن نعطي صورة جميلة عن الوجه الثقافي في لبنان والعالم العربي، عبر لقاءات واستضافات أشخاص اختصاصيين. ما هو مقدار نجاحنا؟ يكفي أننا نقوم بالمحاولات. سأبقى متابعة وأنا أسمع إطراءات أن جميع المحطات في لبنان والعالم العربي يجب أن تقدم برامج ثقافية مثل برنامجي، لأن المجتمع العربي في حالة تدهور، ومن خلال البرامج التي تعطي الوجه السلبي للبنان والعالم العربي نحن لسنا كذلك. كما قلت لكِ أنا أحب الحوار السياسي وحلمي أن أقدم للبنان برنامجا سياسيا قائما بحد ذاته نستطيع أن نوصل من خلاله صوت المواطن للمسؤول وأن يقوم هذا المسؤول بتلبية نداء هذا المواطن'.
* ما هو المطلوب والذي يناسب تفكيرك لإقامة برنامج سياسي ناجح؟ وما هي رؤيتك؟
* ' تأمين غطاء سياسي، لأنه للأسف نحن نتحدث عن الحريات الإعلامية ونقول نحن اللبنانيين نستطيع أن نعبر عن رأينا، هذا كلام غير صحيح لأنه توجد هنالك محاسبة. لو أن هناك فعلا الحرية الإعلامية التي يتكلمون عنها لكنا مارسناها بحذافيرها على الهواء، ولكنت عملت برنامجا يقلب الطاولة، لأني أملك الجرأة. لكن إن لم يؤمن لكِ الغطاء السياسي فلن تستطيعي أن تتحركي'.
* ضمن هذه الحرية التي تتحدثين عنها، هناك الإعلام الغربي بنجاحاته ومصداقيته، على الأقل في التوجه لمواطنيه، ونحن العرب رغم وجود المحطات الفضائية المتعددة، لكنها لا تملك المصداقية، فنحن ننقل الحدث عن وكالات الأنباء كما يصلنا، برأيك كيف سنصل لتحقيق هذه المصداقية وما هي الأسباب؟ هل هي الافتقار إلى الحرية أم هي الجهات السياسية التي تحاسب على الرغم من وجود المحطات الخاصة؟
* 'حتى لو كانت هنالك محطات خاصة، دائما هنالك سلطة أعلى من سلطة المحطة، هذا معروف. نحن في عالمنا العربي لا نملك الحرية الإعلامية، هذه شعارات فقط حتى في لبنان الذي يعتبر ذا مجال أوسع لممارسة هذه الحريات، ولكن تبقى ضوابط. هناك إعلاميون تجاوزوا حدودهم في بعض الأماكن وتم تهديدهم، واتخذت إجراءات قانونية بحق بعض المحطات والإعلاميين. فإذاً، أين هي الحرية الإعلامية؟ تسألينني عن المصداقية، لا توجد!.. فكل المحطات الفضائية أصبحت ناقلة للخبر وغير صانعة له'.
* الثقافة خرجت من لبنان ومصر من فنون ومسرح وسينما، لكن تراجع الثقافات في لبنان إلى هذا المستوى والإعلام لم يلعب دورا ثقافيا ملحوظا، كيف ترين صورة المستقبل والجماهير العربية من خلال التوجهات السياسية التي تعمل ضد الثقافة حتى تشعري وكأنك ضمن دائرة مفرغة؟
* 'أنا أنطلق من كوني أما أخاف على أطفالي في هذا البلد، وهذا العالم العربي. أنا أتكلم بصفتي فردا من أفراد هذا المجتمع. عندما أجد أبنائي يتابعون هذه البرامج، ليس لأنهم يريدون متابعتها، ولكن لأن هذا كل ما يقدم لهم. من الممكن لو أننا نقدم لهم شيئا يغني حياتهم الثقافية والاجتماعية والمستقبلية، لكان هذا جيدا ومفيدا. لكنهم يقدمون لهم برامج غير مفيدة. إذا، نحن أي ثقافة ننقل لأبنائنا وأحفادنا؟ هل نعلمهم أن ما يرونه على الفضائيات هو العالم العربي والإسلامي بالتحديد؟ لا، للأسف. اليوم كل محطة إعلامية تعرض برنامجا ثقافيا تتحجج بأنه لا يجلب إعلانات. وقولي لي كم ستناضلين وتصفقين لوحدك؟
يجب أن تكون هناك خطة متكاملة لمؤسسات الدولة والتربية والثقافة والإعلام. يجب أن تلعب الدور الرئيسي في فرض برامج معينة وساعات عبر المحطات، برامج ثقافية وتعليمية وتوجيهية لجيل الشباب. للأسف، الذي ترينه اليوم هو جيل متهور، أفكاره غربية وليس لديه فكرة شرقية وقيم وأخلاق حتى. إذا، أين هي الثقافة ودور الإعلام؟ وأين دور الوزارات المختصة؟ كل هؤلاء يستطيعون أن يلعبوا دورا رئيسيا. لكن للأسف، النظام السياسي القائم في لبنان يسير وكأن هناك خطة مبرمجة لتدمير فكر الشباب، وهي خطة - أنا دائما أقولها - وكل ما يحدث لنا في هذا العالم العربي للأسف، في ظل غياب رجال السلطة الحاليين، هي خطة صهيونية لتدمير الفكر العربي والأجيال العربية وإلهائهم بالملذات والشهوات ومتع الحياة التي ليس لها قيمة.
إنهم يعملون على تسميم الزاد الثقافي، فينسى هذا الشباب قضيته القومية وهويته العربية وأراضيه المحتلة والمواجهة مع عدو شرس. هنا أشعر بأن هذا معيب، وأن هناك تجانسا بين المشروع الصهيوني والداخل هنا في لبنان. البعض يقولون إن هذا غير صحيح، وتستمر الأمور على حالها بسبب عدم الضغط بوسائل مجدية من قبل جهات محددة وعبر وسائل الإعلام باتجاهات ثقافية واجتماعية وإنسانية مفيدة'.
* المرأة، رغم كل هذه الحداثة والمؤتمرات التي تعقد من أجلها وكل ما نراه من مظاهر التحرر، لكن نلاحظ أن التخلف يزداد يوما بعد يوم، برأيك هل يكون دور المرأة في تربية النشء الجديد وأن تصنع نوعا من الوقاية تحيط بها منزلها وأبناءها من الظواهر التي نراها في المجتمع ومن البرامج المنتشرة في كل المحطات؟
* 'المرأة اللبنانية تحاول قدر المستطاع أن تلعب هذا الدور، إن كان عبر منزلها أوعبر نشاطات معينة تقوم بها. ولكن هذا غير كاف، فنحن نحتاج لخطة متكاملة. فأنا كامرأة ممكن أن ألعب هذا الدور في داخل منزلي وفي محيط ضيق، ولكن لا يمكن أن ألعبه على مستوى لبنان والعالم العربي، إذا لم تكن هناك مجموعة من الأشخاص يعملون معي، وهناك دعم وغطاء. ولكن المرأة لوحدها، ماذا تستطيع أن تفعل؟ هي تجرب عبر برامجها، إذا كانت مقدمة برامج، إذا كانت رئيسية جمعية. في البداية، دعينا نقول: المرأة تبدأ من منزلها، من أطفالها، حيث تقوم بلعب دور، وامرأة أُخرى تقوم بلعب دور آخر، لربما يصلح المجتمع ربما'.
* أنتِ امرأة عصرية تقف مع التطور سواء من حيث المظهر والأزياء أو من حيث الماكياج، هل تحنين مع هذه الحداثة إلى أن والدتك وجدتك كانتا تنعمان براحة أكبر وكانتا أجمل؟ وأين يقع السبب؟
* 'صدقيني، مع أني أذكر جدتي والنساء الكبار بالسن، دائما أقول لوالدتي -أطال الله في عمرها- رزق الله على أيام زمان، فقد كان هناك البساطة والاحترام والأخلاق والتربية السليمة. اليوم، نحن نفتقد هذه الأمور، حتى العلاقة بيننا وبين أبنائنا أصبحت علاقة صداقة، وهذا جميل، ولكن انكسر هذا الحاجز الخوف والرهبة بين الولد والأهل. أنا أتمنى أن يبقى هذا، ليس الخوف الرعب، بل الاحترام والتقدير، فحتى الآن أقول لأبنائي: 'أنا أقيم وزنا لوالدي إذا كنت سأرد على حديث صادر عنه، أنتم اليوم كتير آخدين وجه علينا'! صدقيني أنا أتمنى أن تستمر البساطة، مثل الجلوس على الأرض وتناول الطعام على الأرض، وهذه اللبنة البلدية حبة الزيتون، وأقول لوالدتي ليت تلك الأيام تعود، فأنت تشعرين بالأمان النفسي، بالطهارة. اليوم كل هذا فقد ولم يعد هناك شيء منه'.
* أنتِ إعلامية في كمال الشباب ونضجه، لم ألحظ لديك تجميلا إلا من خلال الماكياج، بينما يظهر لدى بعض السيدات الاهتمام بعمليات التجميل في سن الأربعين، هل برأيك أنه من الضروري أن تقوم المرأة بعمليات التجميل أم تكتفي بمثل هذه اللمسات في زينتها؟ وهل التجميل الزائد يبعد الشيخوخة عن المرأة؟
* 'أنا بالمطلق لا أحب عمليات التجميل، كل الأدوات من مشرط إلى مبضع التي ستلعب بالوجه، أولاً: أنا أخاف منها، ثانياً: أنا ضدها. ممكن أن تضيفي بعض اللمسات التي تخفي آثار العمر على الوجه، ولكن بشكل بسيط وليس بشكل عمليات تجميل، فهي لا تلغي العمر ولا تصغر المرأة بفعلها، فبنت الخامسة والأربعين لن تعود للخامسة والعشرين. العمر سيظهر، إن لم يكن بتقاسيم الوجه، سيظهر بالجسد وبتقاسيمه. نحن نتكلم عن اللواتي يعملن في التلفاز، فهن يجب أن يتمتعن بمظهر طبيعي، لأن المشاهد سيلحظ التجميل، ونحن نتحدث عن المرأة تحديدا، فهي التي تفرض وجودها وحضورها على المشاهد. أما اللواتي لا يعملن في مجال الإعلام، فهن أحرار. بالنسبة لي أنا ضد عمليات التجميل، فقط أتقبلها إن كانت هناك مشكلة منذ الولادة بحاجة لتجميل ولكن تجميلا فقط كي نصبح جميعا (فوتوكوبي) لأنه للأسف اليوم كل النساء متشابهات، وهناك حالات تجميل تشمئزين منها لدرجة كبيرة، فكيف ترضى المرأة أن يصل شكلها لهذا المستوى؟ هل برأيها هذا هو الجمال الذي تسعى له؟ كلا هذا ليس جمالا، أنا مع لمسات تخفي بعض التعب وبعض الخطوط التي هي طبيعية تظهر لدى المرأة ولدى الرجل مع الوقت، بقدر ما حاولنا إخفاءها، وهي لمسات تخفي التعب وتحافظ على إطلالة الوجه لا أكثر ولا أقل'.
* بالنسبة للأزياء، ما هي اهتماماتك بها؟ هل لديك اختياراتك الخاصة عند الظهور عبر الشاشة وعند الظهور في الحياة العادية؟ كيف يتم هذا الاختيار؟ وهل لديك أزياء تحتفظين بها كما هو الحال في الغرب حيث يحتفظون بالقطع المميزة؟
* 'هناك بعض الأزياء أُحبها وأحتفظ بها، وأحيانا تبقى سنوات لدي، وأحيانا لا أرتديها، ولكن أُحبها وأحتفظ بها. بالنسبة لأزياء العمل، فالبرامج التي أُقدمها حتى لو كانت حيوية ديناميكية قليلا، أنا لدي قناعة أن احترامك لنفسك عند ارتدائك لملابسك سيجعل المشاهد يحترمك وهو مجبر. ولكن عندما تظهرين على الشاشة منفتحة بشكل كبير، فإنك ستسمعين الكلام والتعليقات ويجب أن لا تعلقي عند سماعك هذا الكلام، لأنك أنت من طلبت من المشاهد أن يعلق عليك لأنك ارتديت ملابس غير مناسبة. أنا أحترم طريقة ارتدائي لملابسي أثناء ظهوري على الشاشة، ولست متطلبة ويعنيني أمر واحد وهو الترتيب وليس الفخفخة، أي أن يكون الهندام محترما أن يكون قصيرا قليلا، لكن التشليط ممنوع لدي بالمطلق على الهواء. فأنا أخجل من المشاهد، وأنا أعرف نظرة المشاهد. في حياتي الخاصة، خارج نطاق الشاشة أنا امرأة أرتدي حسب قناعاتي. ولكن أثناء ظهوري على الشاشة، فأنا أُطل على كذا مشاهد في لبنان وفي الوطن العربي، فيجب أن أحترم نفسي كي يحترمني المشاهد. أذكر في إحدى المرات، وكنت محتشمة جدا، كنت أرتدي جاكيت وتحتها كت معلقة بالرقبة فأتى اتصال من الإدارة أنه نتمنى عليكِ يا هالة أن هذا الكت في المرة الثانية لا يلبس على الهوا، أنا تفاجأت لأنه ليس هناك شيء ظاهر، لكن هذه الربطة حول العنق لم تعجب رئيس الإدارة. تخيلي إلى أي درجة، مع أنني كنت أرتدي جاكيت ومغلقة للأعلى، ولا يوجد أي شيء ظاهر. انظري إلى أي درجة تبلغ الدقة، وعدا عن هذا التوجه الموجود كمؤسسة، هناك شيء داخلك يمنعك أو يسمح لكِ'.
*أنتِ أكيد تتابعين الإعلام المرئي والإعلام المقروء، كيف ترين موقع الإعلام المقروء بالنسبة للإعلام المرئي؟ هل مازال يحظى بالاهتمام أم أصبحت له نسبة قراء محدودة؟
* 'الإعلام المقروء له ناسه وقراؤه، ولا تستطيعين الاستغناء عن الصحيفة أو المجلة مهما حاولت. إنما الإعلام المرئي كونه أن الخبر يصل بشكل أسرع والشاشة توصل لكِ الحدث بشكل سريع، إن كان في لبنان أو في أي مكان من العالم، أما الجريدة فيمكن أن تنقله في اليوم الثاني. أنا شخصيا من الناس اللذين يحبون الصحافة المقروءة أكثر من الصحافة المرئية أو الإعلام المرئي، لأنك تستطيعين أن تقرأي تحليلا سياسيا وخبرا مكتوبا بطريقة موضوعية منطقية. بعض وسائل الإعلام للأسف، كل محطة تعرض عليك الخبر حسب توجهاتها والمناسب لها، وهنا يحصل نفور بين أطراف مختلفة بالرأي بتوجهات مختلفة في لبنان، بينما الصحيفة يبقى لها تحليلها السياسي والمنطقي. برأيي، الإعلام المقروء أفضل من الإعلام المرئي في متابعة الأحداث'.
* هل تتابعين الفضائيات العربية؟ ما الذي ينقصها، حتى لا نقول كيف يمكن أن تلحق بالفضائيات الغربية، بل أن تقترب من المصداقية؟ وما الواجب على الإدارات الرسمية للإعلام؟ هل ترسل بعثات دراسية واطلاعية للخارج أم ماذا؟
* 'أقول لك، مهما أرسلنا وفودا وبعثات ودرسوا وتعلموا، نحن ينقصنا أن نكون ناسا حقيقيين لدينا إيمان بقضايانا، لدينا إيمان بوطننا وبقضايانا المصيرية على صعيد الوطن العربي، وإيمان بشرقيتنا، بعاداتنا وبكل هذه الأمور، عندها نظهر على الهواء عبر الشاشات على حقيقتنا، ولا يستطيع أحد أن يقف في وجهنا. لكن، طالما نحن لسنا كذلك، سنبقى ملاحقين لتقليد الإعلام الغربي، لأن الإعلام الغربي صادق مع نفسه وهذه طبيعة حياتهم، فهم ينقلون صورة مجتمعاتهم. أما نحن، فلا ننقل صورا مغلوطة، ولا ننقل الواقع كما هو. وللأسف، نحن لسنا صادقين مع أنفسنا، ولا توجد إدارة تلفزيون في لبنان أو في العالم العربي، إدارة حرة بالمطلق. وأنا أقول هذا الكلام على مسؤوليتي طبعا، لا توجد محطة غير خاضعة لسلطة سياسية، إن كان عندنا أو في الوطن العربي، فقط عندما نكون أحرارا وصادقين تصبح شاشاتنا صادقة مثل الإعلام الغربي'.