أحمد الصراف


ضرب الجفاف ملاوي قبل سنوات وتسبب في موت الآلاف، وعاش laquo;كامكوامباraquo; وعائلته لسنوات على وجبة واحدة، بعد أن فقد والده عمله الزراعي، لكن وسط كل هذا القحط والجفاف كان هناك أمل، فبعد أن طرد الفقر laquo;كامكوامباraquo;، من مدرسته، لعجزه عن دفع الرسوم السنوية التي لم تتجاوز 80 دولاراً فكر في عمل شيء يغير به وضعه، وطالما أن هناك من أنتج الكهرباء بقوة الرياح، فسوف يحاول القيام بالشيء نفسه، فليس هناك أكثر من الرياح في منطقته! ولعدم وجود شيء آخر يقوم به فقد أصبح يقضي وقتاً أطول في مكتبة القرية، حيث جذبت صور الطواحين التي تنتج الكهرباء انتباهه، فقام، متسلحاً بالصور وبما يعرفه صبي في الرابعة عشرة من العمر، بالبحث في مزابل القرية وساحات قطع الغيار المستعملة عما يمكن أن يفيد في صنع طاحونة تشبه ما شاهده في الكتب من صور، وهناك عثر على قطع دراجة هوائية وخراطيم بلاستيك ومروحة تراكتور وبطارية سيارة وبعض الأسلاك الكهربائية. ومن خشب شجرة صمغ صنع برجاً عالياً لحمل أول طاحونة هواء، مستعيناً بآلات ومعدات بدائية في تركيب الشفرات والتوصيلات الكهربائية. ويقول إنه تعرض لسخرية شديدة من الجميع تقريباً، وظن البعض أنه مجنون أو أن الجن قد تلبسه، ولم تتوقف الانتقادات حتى أخبرهم أنه يجمع القطع للتسلية وليس لتوليد الكهرباء!
كان ذلك في عام 2002 والآن يمتلك laquo;كامكوامباraquo; خمس طواحين هواء، يزيد ارتفاع إحداها على 12 متراً، ويقوم بتوليد الطاقة الكهربائية لبيته ومدرسته القديمة وجهات أخرى، كما أصبح في إمكانه ضخ المياه لمدينته، وأصبح البعض يزور بيته لشحن بطاريات هواتفهم النقالة لعدم وجود مصدر طاقة آخر، ويتوقف آخرون للاستماع إلى موسيقى الريكي الصادرة عن سماعات مذياعه الذي يعمل بالكهرباء.
يبلغ laquo;كامكوامباraquo; الآن الثانية والعشرين من العمر، ويتلقى التعليم المجاني في جنوب أفريقيا في laquo;الأكاديمية الأفريقية للقيادةraquo;، التي تشتهر بتميزها. كما أصبح شخصية دولية في مجال البيئة، وقام نائب الرئيس الأميركي السابق، (آل غور)، المعني بصورة كبيرة بقضايا البيئة، بتوجيه الشكر العميق له، كما دعي laquo;كامكوامباraquo; إلى العديد من المؤتمرات لشرح تجربته لرجال الأعمال. وفي زيارة له لمدينة laquo;بالمزسبرنجraquo; بكاليفورنيا، شاهد للمرة الأولى طاحونة هواء حقيقية، بكل ضخامتها وعلوها، والتي جعلت من الطاحونة الموجودة في فناء منزله الخلفي بهيكلها الخشبي الفقير واهتزازها الدائم كاللعبة المشوهة!
كما قام laquo;بالي ميللرraquo; أحد مراسلي laquo;الأسوشيتد برسraquo; بوضع كتاب عن laquo;كامكوامباraquo;، بعنوان laquo;الصبي الذي سخر الرياحraquo;، بعد سماع قصته. وقال إنه عاش في قرية الصبي لأشهر عدة، وان الموضوع كان تغيراً منعشاً، مقارنة بأخبار الحرب في أفريقيا التي دأب على تغطيتها. وقال إن هذا الصبي هو جزء من جيل أفريقي لا يود الركون والانتظار لما ستقوم به حكوماتهم، أو ما ستقدمه لهم منظمات الإغاثة والعون، حيث أصبحوا ينتهزون الفرص ويستغلون التكنولوجيا لحل المشكلات التي تواجههم، وأن أكاليل الغار التي حصل عليها لم تثنه عن الاستمرار في البحث.
ولو قارنا قصة هذا الصبي المعدم، الذي لم يمتلك قط مالاً ولا علماً، وسلاحه الوحيد بعض الصور من مكتبة القرية، واستطاع بالرغم من ذلك أن يكون شخصية عالمية من خلال معجزة توفير كهرباء وماء مجاني لأهالي منطقته من لا شيء، بما قام به شبابنا المتخم بـ laquo;العلمraquo; والثروات من تخريب وتدمير للعقول والممتلكات والأرواح، وليتحول بعضهم لشخصيات عالمية من خلال معتقل غوانتانامو!