خليل علي حيدر
الخرافة في معاجم اللغة هي quot;الكلام المستملح المكذوبquot;، غير أن الأستاذين د. خالد الرميخي ود. مزنة العازمي يعارضان في ورقة مطولة بعنوان quot;الخرافة في المجتمع الكويتيquot;، هذا التعريف الذي quot;يخالف الحقيقة ويناقض الموضوعيةquot;، حيث أن تعريفات الخرافة تكاد تتفق على أنها quot;اعتقاد أو فكر يتناقض مع الواقع الموضوعي، يؤمن به بعض الناس لمواجهة مشكلة أو دفع ضرر، أو جلب منفعة أو تفسير ما يعجز الإنسان عن تفسيره وإدراكهquot;.
هل التقدم التكنولوجي والعلمي أَحَبَطَ الخرافة أم زاد انتشارها؟
للأسف سهّلت الاختراعات الحديثة تداول وانتشار الخرافات، في اعتقاد الباحثيْن. quot;فمثلاً نجد أن هناك بعض المحطات الفضائية التي تستخدم الدجل والتخريف وأحياناً النصب والاحتيال، من مثل الترويج لبعض الأدوية والأعشاب التي يدّعون أنها قد تسبب الشفاء لبعض الأمراض المستعصية كالسرطان مثلاً، بل نجد أن بعض القنوات الفضائية قد تمادت في الترويج للدجالين والمشعوذين وتحاول استقطاب المشاهدين الذين يعانون من مشكلات نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، ويحاولون استدراجهم واستغلالهمquot;.
ولكن هل لوزارات الإعلام والصحة وكليات الطب والصيدلة والجامعات عموماً أي دور توعوي أو قانوني في هذا المجال؟
يبدو واضحاً أنها جميعاً لم تقم بأي حركة مؤثرة حتى الآن!
هذه الدراسة الكويتية للخرافة تأتي إضافة لدراسات قليلة جداً، كويتية وعربية، في هذا الميدان. فقد سبقتها دراستان، إحداهما للباحث quot;علي وطفةquot; عام 2002 بعنوان quot;دراسة في المضامين الخرافية للتفكير لدى عينة من المجتمع الكويتيquot;، وقد أكدت quot;أن شريحة كبيرة من أفراد العينة تؤمن بالخرافات والسحرquot;، كما بيّنت quot;أن الإناث أكثر إيماناً بالمعتقدات الخرافية من الذكورquot;، وquot;أن أبناء المحافظات التقليدية أكثر إيماناً بالتصورات والاعتقادات الخرافية من أبناء المحافظات المدنية ولاسيما محافظتي حولي والعاصمةquot;.
أما الدراسة الكويتية الثانية فكانت في العام نفسه للباحثة نضال الموسوي، بعنوان quot;السلوك الخرافي لدى عينة من طلاب جامعة الكويتquot;.
وقد توصلت الدراسة إلى عدة نتائج أبرزها quot;أن نحو ثلثي عينة الدراسة أفادوا بوجود السلوكيات الخرافية في الوسط الطلابي، ويأتي في مقدمة هذه السلوكيات أعمال السحر، الأحجبة، التمائم، قراءة الكف والأبراج، قراءة الطالع والفنجان، لعب الأرقام، كما وجدت الدراسة أن نحو 25 في المئة من العينة أفادوا بأن لديهم الاستعداد لممارسة الخرافات، وأن 7.4 في المئة أفادوا بأنهم يمارسون بعضها بالفعلquot;.
ومن الدراسات العربية أربع دراسات، من بينها دراسة مصرية عام 1968، توصلت إلى quot;أن هناك 274 خرافة سمعت عنها عيّنة البحث، وبلغ عدد أكثرها شيوعاً 33 خرافة، تدور حول الجن والعفاريت والزار والعلاقات الاجتماعية والعمل وبعض الظواهر الطبيعيةquot;. وبيّنت هذه الدراسة المصرية أن الخرافات تزداد بين الريفيين والطبقات الاجتماعية الشعبية والإناث، وأنه يتم اكتسابها كسلوك من خلال وسائط التنشئة والتربية.
ومن الدراسات الأخرى بحث لعبدالمحسن صالح عام 1998 في الكويت بعنوان quot;الإنسان الحائر بين العلم والخرافةquot;، وثانية قامت بها في ليبيا الباحثة quot;آمنة أبو جازيةquot; وآخرون، عام 2006، بعنوان quot;الأفكار الخرافية والاعتقادات الخاطئة لدى عينة من معلمي المدارس الثانويةquot;. وقد أثبتت أن أغلب أفراد العينة يؤمنون ببعض الخرافات وبقدرة الأرواح والجن والأشباح على إلحاق الأذى وعرقلة الزواج والتسبب بالمرض.
حاول الباحثان في هذه الدراسة التي نقدمها عما إذا كانت الخرافة لا تزال بخير في المجتمع الكويتي بعد ستين عاماً من ظهور النفط وحدوث نقلة نوعية في حياة الأفراد. وتساءلت الورقة: أي الخرافات أكثر انتشاراً من غيرها في المجتمع الكويتي سماعاً؟ وأي الخرافات تحظى أكثر بالاعتقاد؟ وما الفوارق بين أفراد العينة العشوائية- 620 من الذكور و950 من الإناث - وفقاً لمتغيرات النوع والعمر والحالة الاجتماعية ومنطقة السكن ومستوى الدخل وغير ذلك. وقد عرّفت الدراسة الخرافة على أنها quot;المعتقدات والممارسات الخيالية البعيدة عن الواقع، والتي لا تستند إلى أساس ديني أو علمي، وتوارثتها الأجيالquot;.
أما العقلية الخرافية فهي quot;التي يكون فيها دور بارز في تفسير الأحداث وتعليلهاquot;.
وينظر الباحثان كما يبدو إلى العلم والدين كمرجعية واحدة في الحكم على الظواهر وكأساس لاعتبار أي فكرة حقيقية أم خرافة.
ولاشك أن التوحيد بين quot;المقاييس العلميةquot;، التي تقوم على البحث والتجربة والمشاهدة واستخدام الحواس، وquot;المقاييس الدينيةquot;، التي ترتكز على التصديق والإيمان، يثير التساؤل، ويحتاج إلى الشرح والتوضيح، وهو ما لم ينل نصيبه في الورقة.
عالجت الورقة خرافات، منها ما يتعلق بالزواج والإنجاب، مثل quot;قَرْص رُكْبَة العروس في ليلة زفافها يُسرع في زواج من قامت بقرصهاquot;، وquot;لبس المرأة لعباءتها مقلوبة يعني زواج زوجها من أخرىquot;، وquot;تخطي أحد الصبية وهو نائم يتسبب في عدم الإنجابquot;. ومنها خرافات متعلقة بالوقاية من الحسد، ومنها: quot;تعليق أي أثر من الذئب كالجلد أو الشعر أو العظم، يطرد الحسد والشياطين من البيتquot;، وquot;حمل الملح يقي من الحسدquot;، وكذلك وضع قطعة من الحديد تحت وسادة الطفل وكسر بيضة أمام السيارة الجديدة.
وكان المحور الثالث الخرافات المتعلقة بجلب الرزق وقضاء الحاجات، ومنها: quot;لبس المرأة لعباءتها مقلوبة يعني أنها ستحج لبيت الله الحرامquot;، وquot;إذا حكك بطن يدك اليمنى فهذا يعني أن هناك رزقاً سوف يأتيكquot;، وكذلك إذا انسكبت القهوة أو الماء في مكان أنت فيه، أو quot;رفّتquot; عينك اليمنى.
وثمة محور في الدراسة اشتمل الخرافات المتعلقة بالتشاؤم والنحس مثل: quot;إذا رفت عينك اليسرى فإنه نذير شؤمquot;، وquot;إذا ضحكت كثيراً فإنك ستبكي كثيراًquot;، (فيُستحسن ألا تشاهد الكثير من الأفلام الفكاهية!quot;، ومنها quot;فتح المقص نذير شؤمquot;، وquot;إذا حلمت حلماً سيئاً فعليك أن ترويه في الحمام حتى لا يقعquot;!
وأخيراً تضمنت الورقة محور الخرافات المتعلقة بالصحة والمرض مثل: quot;عد النجوم ليلاً يسبب انتشار الثآليل بالجسمquot;، وquot;غسل الطفل بماء البَرَد يقلل نمو الشعر في جسمه إذا كبرquot;، وquot;أكل السمك مع اللبن يسبب البرصquot;.
وكان بين الأسئلة الموجهة: ما أهم الأسباب التي زادت من انتشار الخرافة في المجتمع الكويتي؟ وكانت الإجابات بالترتيب وحسب عدد الموافقين: توارث بعض العادات والتقاليد والمعتقدات، ضعف الوازع الديني، انخفاض مستوى التعليم وانتشار الأمية، متابعة وسائل الإعلام التي تنشر الأفكار الخرافية كبعض القنوات التلفزيونية والمجلات، وأخيراً، حالات اليأس من المشكلات الاجتماعية والنفسية.
في نهاية الدراسة الميدانية عن الخرافة في المجتمع الكويتي، والتي نشرت في عدد أبريل 2010 من مجلة quot;دراسات الخليج والجزيرةquot;، ناقش الباحثان النتائج وتفسيرها. وقد أكدا quot;أن الخرافة منتشرة في المجتمع الكويتي سماعاًquot;، بمعنى الرواج والتداول. ولكن أغلب أفراد العينة، يؤكد الباحثان، لا يعتقدون بموجب البيانات، بالخرافات التي وردت بالاستبانةquot; وذلك يعود إلى أن أغلب المجتمع الكويتي مجتمع متعلم ومثقف، ولديه وعي ديني رافض للاعتقاد بالخرافةquot;.
وقد أكدت الدراسة quot;أن الإناث أكثر اعتقاداً بالأفكار الخرافيةquot;، كما وجدت الدراسة فوارق بين المطلق والأغرب، وأن المطلق له اتجاه عال نحو الاعتقاد بالخرافة. وربما، يقول الباحثان، quot;يعود ذلك إلى أن الشخص المطلق يعاني عدم الاستقرار النفسي والأسري، ويحاول أن يبرر فشل حياته الزوجية من خلال هذه الخرافاتquot;.
قد وجد الدارسان أن الأشخاص الذين دخولهم أقل من 500 دينار كويتي شهرياً، quot;لهم اتجاه عال نحو الاعتقاد بالخرافةquot; مقارنة بمن يزيد عن ذلك. وربما يعود ذلك، يقول الباحثان، إلى أن الظروف الاقتصادية المتدنية لذوي الدخول الأقل تجعلهم يسعون للغنى من خلال ممارسة الخرافات.
وتنتهي الدراسة بجملة توصيات بتفعيل دور المؤسسات الدينية، وتحسين المناهج الدراسية، وزيادة التوعية الإعلامية، وإجراء دراسات اجتماعية ونفسية معمَّقة في المجتمع، ووضع استراتيجيات تربوية تؤدي إلى quot;اقتلاع جذور التفكير الخرافيquot;.
التعليقات