جاسم بودي


تغيرت الثقافة السياسية الكويتية منذ فترة طويلة. لم تعد المفردات نفسها ولا لغة الخطاب. تشنجت المواقف والطروحات وصار الكثيرون يتجادلون كأنهم في معركة وليس في بلد.
منذ نشأة الكويت والتباينات والخلافات والاختلافات موجودة، وكلها كانت مصدر تميز لا مصدر خوف كونها انتجت إجماعا لاحقا على افكار متطورة اكثر واغنت الموضوع مصدر البحث. لم تكن السلطة ترفض اي طرح ولو كانت تنزعج منه ولم يكن من يطرح الامور يقف على اسطح المنازل حاملا مكبر صوت يهتف من خلاله بشعارات متطرفة تصعيدية قبل ان يعلن مثلا رغبته في تطوير عمل الهيئات المحلية او تنظيم اجراءات الحماية المدنية.
ومن الطبيعي ان تفرز كل مرحلة قيمها السياسية ومفرداتها ولغتها، ولذلك كانت الكويت السباقة بين أقرانها الى الدستور والمجالس المنتخبة والحريات والديموقراطية سباقة ايضا في ترسيخ نهج جديد من السجالات السياسية لم يكن معروفا الا في دولة عربية واحدة بعدما اكلت laquo;الثوراتraquo; المجالس المنتخبة في دول عربية اخرى. ومن يرجع الى محاضر الجلسات البرلمانية قبل عقود يلمس بوضوح تلازم مساري الرقابة والتشريع وحماية المال العام من جهة واللغة الراقية المتبادلة بين اعضاء السلطتين رغم وصول الخلافات الى ذروتها من جهة اخرى.
وفي الازمات السياسية التي عصفت بالكويت في مراحل مختلفة كانت السجالات تخرج من المجالس والمؤسسات الى الشارع والدواوين، لكن المتابع ايضا لتلك المرحلة يلمس بوضوح ان التصعيد السياسي كان من القوة الى الدرجة التي ارقت السلطات واتعبتها لكنه لم يخرج ولا مرة عن اطاره العام او عن اهدافه التي رسمها المحتجون. اضافة الى ذلك، كانت القضايا اما مطلبية تتعلق بتطوير الخدمات العامة واما سياسية تتعلق بتطوير المشاركة واحترام الدستور والتفاعل ايجابا وسلبا مع قضايا المنطقة... لكننا لم نعرف في الكويت قضايا مذهبية ومناطقية وعنصرية لان النسيج الاجتماعي الذي كان يتحرك كان يتمتع بحدود عالية من الرقي الفكري من جهة ولانه كان متنوع الانتماءات من جهة ثانية ولان قضايا الوطن والمواطن كانت اولوية على ما عداها من جهة ثالثة.
ابناؤنا اليوم يرون laquo;كويتraquo; اخرى. كل موضوع سياسي فيها مرتبط بالتطرف وكل قضية تطرح يجب ان تترافق مع قنبلة صوتية او حقيقية. لم يعد الاعتدال ضابط توازن الحياة السياسية بل التطرف، والاخطر من ذلك ان هذا التطرف ترافق مع انكفاء القضايا المطلبية والوطنية لحساب قضايا اخرى مذهبية وقبائلية ومناطقية واحيانا كثيرة... شخصية.
التطرف في السجال السياسي مذموم انما يمكن وضع ضوابط له في اطار الدستور والقوانين والمؤسسات، اما التطرف المذهبي والاجتماعي فخطورته ان ضوابطه مسحوقة تحت اقدام الغرائز... وخطورته الاكبر انه يقضي على المؤسسات ان زحف عليها.
وبين التصعيد والتطرف طفت على سطح الحياة السياسية ظاهرة جديدة هي التعرض بالموضوع الشخصي لكل من نختلف معهم. صار الكثيرون قبل ان ينتقدوا وزيرا او نائبا او مسؤولا لتقصيره في قضية ما يبدأون بشجرة عائلته وشكله الفيزيائي واماكن عطلاته المفضلة واصدقائه وهواياته. جر كثيرون شخصيات محترمة الى ملاعبهم اللغوية الهابطة اذ لم يتركوا لهم مجالا فإن سكتوا قالوا laquo;جبناءraquo; وان لم يسكتوا قالوا laquo;وقحينraquo;... اما الحكومات المتعاقبة فلعبت دورا كبيرا في اغتيال الاعتدال من خلال اهتمامها بخطب ود التصعيديين والمتطرفين والطائفيين واهمال اصحاب الطرح الراقي الحضاري.
قبل الحديث عن تنمية وتطوير وتعاون وانجاز ومشاريع ومراكز مالية وتجارية، المطلوب ان تستعيد الحياة السياسية والاجتماعية الاعتدال الذي خطفه التصعيديون والطائفيون والمذهبيون... وشاركت الحكومة في مفاوضات دفع الفدية للخاطفين.