هارون محمد
هل اخطأ السنة العرب عندما شاركوا بكثافة في انتخابات السابع من آذار (مارس) الماضي واعطوا أصواتهم لمرشحي القائمة العراقية ونصبّوا سياسيا من اصول شيعية رئيسا لها، حتى يثبتوا انهم غير طائفيين قدموا وطنيتهم العراقية على انتمائهم الطائفي وانهم لا يفرقون بين السني والشيعي، وانهم ينشدون التغيير والاصلاح سلميا ويطوون صفحات الماضي القريب بمراراته وانتهاكاته؟ ثم هل هناك جدوى في ان يتقدم السنة العرب وحدهم ويحرّموا الطائفية على انفسهم وينددوا بها، بينما يواصل
الطرف الشيعي تشبثه بالطائفية الآن أكثر من اي وقت مضى؟
انهما سؤالان وجيهان ومشروعان يتداولهما الآن كثير من الرموز والشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والعشائرية السنية العربية بعد ان اكتشفوا انهم توهموا عندما اعتقدوا أن مغادرة الطائفية يجب ان تبدأ بمبادرة شجاعة هم أقدموا عليها في الانتخابات الاخيرة، عندما توجهوا الى صناديق الاقتراع وانتخبوا قائمة ضمت مرشحين سنة وشيعة واكرادا وتركمانا ومسيحيين ويزيدين وصابئة، وكانت النتيجة انهم (خرجوا من المولد بلا حمص) كما يقول المثل العربي المتداول، فقادة القائمة يُنكرون ان يكون السنة العرب هم من انتخبهم وفوزوا نوابهم الـ(91) والشيعة من جانبهم زادوا خوفا وارتيابا من فوز (العراقية) الكاسح في بغداد ومحافظات الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى والانبار، وهو ما دفع احزابهم وتياراتهم وقادتهم الى فزعة شيعية نسوا او تناسوا خلافاتهم وتجاوزوا منافساتهم وتوحدوا في مواجهة قائمة (المكون السني) وهي احدى مفردات ما بعد الاحتلال، فالصدريون بلعوا خلافاتهم العميقة مع المالكي على حد وصف زعيمهم مقتدى ووقفوا الى جانبه بقوة، وابراهيم الجعفري صفح عن رفيقه الذي دحرجه من فوق حزب الدعوة الى خارجه وعاد اليه اليوم نادما يروج له، وقائد ميليشيات بدرهادي العامري غادر المجلس الاعلى باتفاق
مسبق او تواطؤ مدبرمع قادته والتحق بجماعة المالكي، وعراب البيت الشيعي احمد الجلبي بلل ريقه بعد ان نشف من صراخه وهو يتلو بيان الائتلاف الوطني بعدم التعاون مع اي حكومة يشكلها حزب الدعوة ورئيسه ورجع الان الى احضان نوري مسرعا، فقد اثبتوا أن الاولوية عندهم تنصرف الى خدمة المذهب واهل المذهب كما في ادبياتهم ولقاءاتهم واجتماعاتهم المغلقة، ويبدو أننا غالينا في السنوات الاخيرة في التقليل من أخطار الطائفية وبالغنا في استصغارها وفاتنا ان احزابهم ومرجعياتهم نجحت في تثبيت أقدامها وايجاد قاعدة شعبية لها بفضل ما تملكته من سلطات وسطوات وأموال شرعية وغير شرعية، في الوقت الذي تعرض السنة العرب وما زالوا الى التهميش والاقصاء والاجتثاث والتهجير والتنكيل والتقتيل والاتهام بالارهاب والتكفير، والسبب واضح ويكمن اولا:
في انطلاق المقاومة من مناطقهم، وثانيا: في عدم وجود مرجعية سياسية تمثلهم لانهم لم يألفوا منذ صدر الاسلام وقبل حركة التشيع باربعة قرون، غير مرجعيتهم السياسية المتمثلة بالدولة ككيان ونظام، إبتداء من عهد الرسول المصطفى مرورا بالعصرين الاموي والعباسي والزمن العثماني وانتهاء بالدولة العراقية التي قوضتها ادارة وجيوش بوش الابن في التاسع من نيسان (ابريل) 2003، ولان الدولة بمفهومها المعروف غُيبت بعد هذا التاريخ وحُلت مكانها سلطات قادها وادارها الامريكي المحتل، فقد كانت
مقاومة العرب السنة لهذه السلطات شرعية دينيا ومشروعة وطنيا، لذلك كان طبيعيا ان تتحول مناطقهم ومحافظاتهم الى بيئة حاضنة للمقاومة ضد الاحتلال وصنائعه لشعورهم بفقدان مرجعية الدولة التي كانوا يستظلون في اطارها، وليس دفاعا عن نظام او حكومة البعث كما روج المحتلون وعملاؤهم.
وما انطبق على القيادات الشيعية نراه واضحا على القيادات الكردية التي
اصطفت خلف مسعود بارزاني الذي بات الزعيم الكردي الوحيد في الساحة وصاحب القرار بلا منازع بعد ان ترهل جلال طالباني جسديا وسياسيا، ولاحظوا بهذا الصدد كيف ذهب قادة القائمة العراقية اياد علاوي وصالح المطلك ورافع العيساوي وجمال كربولي واسامة النجيفي الى اربيل يستجدون بارزاني ويتوسلون به ليقف معهم في مواجهة المالكي رغم
ان المنطق السليم يقول ان على بارزاني ان يبادر للاتصال بهم ويتفاهم معهم، لحل القضايا العالقة في مناطق ومحافظات مجاورة له ومحيطة به فاز فيها مرشحون من القائمة باغلبية ساحقة في الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى، ولكن قادة (العراقية) إنكشفوا بعد ان خذلوا جمهورهم وناخبيهم السنة العرب وظهروا ضعافا في أدائهم السياسي، لذلك فان المعايير إنقلبت وتعطلت لغة الكلام الرصين والحوار المتوازن وحل
بدلهما لهجة الاستجداء والخنوع، ولاحظوا مرة أخرى كيف امتنع المالكي عن التوجه الى اربيل تلبية لدعوة مسعود واعلنها صريحة: من يريد الحوار فمكانه بغداد وليس اربيل!
ونأمل الا يفسر كلامنا هذا وكأنه إشادة او مديح بنوري، ولكن الحقيقة التي يجب ان تقال انه تصرف كرجل دولة اولا وعبرعن بيئته وطائفته ثانيا، على عكس الذين هرولوا وتراكضوا الى الشمال العراقي يسعون للاستقواء ببارزاني الذي كان صادقا مع نفسه عندما اعتذرعن مساندتهم ورفض تأييد مطاليبهم، لانه يدرك انه رغم قوته في منطقته الكردية الا انه ضعيف في المركز بغداد ولا يمكنه التعاون او التحالف مع طرف ضعيف في المركز خان ناخبيه كـ(العراقية) يضيف اليه أعباء جديدة ويزيد من ضعفه وفسروها كما تشاؤون ولكن في المحصلة انه نفذ ارادة جمهوره وناخبيه، بدليل اننا لم نسمع او نقرأ رأيا من الاطراف والكتل الكردية يعاكسه او يعارضه حتى الاسلاميون الاكراد السنة ولهم ستة نواب ظهروا من اكثر المتحمسين له.
ولان القائمة العراقية أعلنت عقب ظهور نتائج الانتخابات وبعد ان وقع الفأس على الرأس (رأس السنة العرب)، طبعا وفي اكثر من مناسبة وعلى لسان اكثر من قيادي فيها انها لا تمثل السنة العرب ولا تعبرعن آرائهم ومواقفهم، فان ذلك رتب على السنة العرب وضعا ملتبسا حيث لا أحد يمثلهم الان ولا كتلة تعبرعنهم، بينما الشيعة لهم مرجعيتهم السياسية ممثلة بالمالكي، فيما حسم الاكراد خيارهم وفوضوا مسعود رئيسا ومتحدثا باسمهم، لذا فان الضرورة تحتم ان يُجمع السنة العرب على اختيار مرجعية سياسية تمثلهم وتعكس رؤيتهم وما يطمحون اليه، وفق خمسة شروط اساسية وملزمة وهي:
اولا: ان تكون وطنية وقومية شعبية ذات منهج ديمقراطي في آلياتها وانشطتها.
ثانيا: الا تكون حزبية لان السنة العرب اكبر من الحزب مهما كبر واتسع، وغير دينية حتى لا تنزلق في متاهات طائفية.
ثالثا: الا تكون فعالياتها محصورة في بغداد ومحافظات الموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى والانبار بل تشمل السنة العرب في البصرة والزبير وابي الخصيب والفاو وام قصر والناصرية وسوق الشيوخ ومناطق في
محافظات السماوة والعمارة والكوت وكربلاء والنجف والحلة، بحيث يمتد حضورها على كامل التراب العراقي.
رابعا: رفض وتحريم دعوات الفدرلة والاقلمة التي يروج لها أدعياء وتجار
الأزمات والحروب والطامعون بالمناصب والامتيازات.
خامسا: ان تكون حاضنة لاكبرعدد من المثقفين والعلماء والاكاديميين
والعسكريين والفنانين والرياضيين ورجال الاعمال والتجار والحرفيين والنقابيين وشيوخ العشائر والدعاة المعتدلين واعيان المجتمع، والسياسيين والنواب الحاليين والسابقين المقتنعين بالمشروع.
انها مرجعية سياسية اجتماعية مدنية، وليست دينية او طائفية او مناطقية، تستند في انشطتها وفعالياتها على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية والتعاون المتوازن والموضوعي مع الاطراف والمرجعيات الشيعية والكردية والتركمانية والاقليات الاخرى في العراق وفق ضوابط ومبادىء محددة في مقدمتها إعادة هيبة الدولة العراقية وترصين سيادتها والحفاظ على وحدة العراق شعبا وارضا ومياها، والتفاصيل تأتي تباعا والحديث له بقية.
- آخر تحديث :
التعليقات