ياسر سعد

بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز معلومات عن سعي إيران لترسيخ نفوذها في كابل عبر دفع أموال لمدير مكتب كرزاي، أقر الرئيس الأفغاني بأن مكتبه يتلقى laquo;أكياسا من المالraquo; من إيران ودول عدة. وقال كرزاي خلال مؤتمر صحافي: laquo;إن الحكومة الإيرانية تساعدنا مرة أو مرتين سنويا, وتمنحنا 500 ألف أو 600 ألف أو 700 ألف يورو كل مرةraquo;. وأكد الرئيس كرزاي أن مدير مكتبه عمر داودزاي laquo;يتسلم الأموال من الإيرانيين بناء على التعليمات التي أصدرها لهraquo;. وأضاف: laquo;إن العديد من الدول الصديقة تدفع لنا النقود لمساعدة مكتب الرئاسة والموظفين الحكوميين وغيرهم. إنها عملية شفافة تماماraquo;. ومضى إلى القول: laquo;لقد سبق لي أن ناقشت هذا الموضوع مع الرئيس بوش في كامب ديفيد, ولا يوجد شيء مخفي, ونحن ممتنون للمساعدة الإيرانية في هذا المجال. إن الولايات المتحدة تفعل الشيء ذاته، فهي تتبرع أيضاً بالأموال لبعض مكاتبناraquo;.
ورغم اعتراف كرزاي الصريح، فقد نفت السفارة الإيرانية في كابل من جانبها بشدة ما جاء في تقرير الصحيفة الأميركية, واصفة ادعاءاتها laquo;بالمهينة والمضحكةraquo;. وجاء في بيان أصدرته السفارة: laquo;تقوم بعض وسائل الإعلام الأجنبية بنشر هذه الادعاءات التي تفتقر إلى الصحة من أجل تشويش الرأي العام والإضرار بالعلاقات القوية التي تربط بين حكومتي وشعبي الجمهوريتين الإسلاميتين الإيرانية والأفغانيةraquo;.
وتعليقا على المسألة قال بيل بورتون, نائب المتحدث باسم باراك أوباما: laquo;أعتقد أن لدى الأميركيين والعالم بأسره كل المبررات للقلق من محاولات إيران الرامية إلى ممارسة نفوذ سلبي في أفغانستانraquo;. وأضاف في تصريحات صحافية: laquo;إن واجب الإيرانيين ككل الجيران هناك، أن يحاولوا أن يكون لديهم نفوذ إيجابي لتشكيل حكومة، وأن لا تكون أفغانستان بلدا يستطيع الإرهابيون أن يجدوا فيه ملجأ آمنا، أو يتم التخطيط فيه للهجماتraquo;.
فيما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي: laquo;سندع للحكومة الأفغانية أن تشرح كيفية إنفاق المساعدة المالية التي تلقتها من دول أخرىraquo;. وأضاف: laquo;لكننا سنظل نشكك في الدوافع الإيرانية انطلاقا من الدور الذي اضطلعوا به في الماضي مع جيراننا لزعزعة الاستقرارraquo;. ودعا كراولي إلى laquo;أن تؤدي حكومة مثل الحكومة الإيرانية، وكذلك كل حكومات المنطقة، دورا بناء في أفغانستانraquo;.
ومن المفارقات أن الكشف عن المساعدات الإيرانية لكرزاي -والتي وصفها بالشفافة- جاء قبيل نشر منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي, والذي أعادت فيه تصنيف أفغانستان والعراق في ذيل قائمة الدول من حيث مستوى تفشي الفساد فيها. فالدولتان laquo;المحررتانraquo; من قبل الولايات المتحدة واللتان حظيتا بأنسام ديمقراطيتها هما من أكثر دول العالم فسادا وانتهاكا لحقوق الإنسان. الأمر ليس بمستغرَب، بل إن نقيضه هو المثير للتعجب، فهل هناك من فساد أكثر وأكبر من أن يرتبط سياسي بقوات الاحتلال ويصل إلى سلطة زائفة عبر دباباتها وخلال مسار سقط فيه أعداد كبيرة من الضحايا والأبرياء من مواطنيه ظلما وعدوانا, وإذا كان ليس بعد الكفر ذنب كما يقال، فإن الفساد الأكبر لأي سياسي, والذي ستتفرع منه أشكال الفساد المالي والأخلاقي والسياسي، هو في الارتباط بالاحتلال والعمالة له.
مسألة العطايا الإيرانية, وردة الفعل الأميركية الهادئة, وتكرار دعوة مسؤوليها لإيران للقيام بدور إيجابي في أفغانستان، وامتنان كرازي العلني لمساعدات طهران، أمور تعطي مصداقية لمن يدعي أن الخلافات الإيرانية-الأميركية المعلنة والتصريحات النارية بينهما, تخفي أحيانا صفقات في الباطن, وتنسيقا في مواجهة عدو مشترك وهو laquo;السلفية الجهاديةraquo;. كما أن التحرك الإيراني النشط في المنطقة يدفعنا للتساؤل عن الشلل والغياب العربي, خصوصا من عواصم عربية كبرى, والتي تشهد قياداتها حالة من الغيبوبة السياسية الكبرى.
الأكياس الإيرانية فيها محاكاة للأساليب الأميركية في شراء والذمم والضمائر، إن كان في العراق أو أفغانستان، فلقد كانت القوات الأميركية في بواكير غزو أفغانستان تجوب المناطق والأرياف وهي محملة بأكياس المال لشراء ولاء زعماء القبائل في مواجهة طالبان. والأمر نفسه تكرر في العراق, كما أشارت كثير من التقارير الإعلامية. إفساد الذمم والضمائر، وتقديم السياسيين الفاسدين إلى مواقع المسؤولية والحكم، في تقديري سياسة متعمدة, هدفها إبقاء بلداننا في ميدان الصراع وخانة الاحتراب حتى تبقى منطقتنا العربية والإسلامية أسيرة دوائر التخلف والاستهلاك والفوضى.