عبدالله السويجي

منذ سنوات، وبرنامج إيران النووي، الذي تصفه إيران بالسلمي، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تشك في أنه عسكري، يثير جدلاً مستمراً، ولكثرة تكرار العبارات نفسها، والمواقف ذاتها، بات الموضوع مملاً وغير مثير للمتابعة والانتباه، وصار مثل مشاهدة مسلسل ldquo;توم وجيريrdquo; الكرتوني للمرة الخمسين، لعبة مشبوهة تخفي أكثر مما تظهر، إلا أن ما تخفيه بدأ يظهر منذ فترة على شكل مصالح وصفقات أسلحة لأطراف محددة، وخلق أجواء رعب في منطقة الخليج، وإثارة نعرات منها ما هو طائفي ومنها ما هو قومي .

خلال الأسبوع الماضي تواصلت لعبة (توم وجيري) بطريقة مضحكة للغاية، فقد كشفت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يعملون على صياغة عرض جديد على إيران يشمل إمكانية مبادلة الوقود النووي معها، ونقلت صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; عن مسؤولين أمريكيين بارزين في الإدارة قولهم إن العرض الجديد يتضمن ldquo;شروطاً أكثر تشدداًrdquo; على طهران، مقارنة بالعرض السابق المقدم العام الماضي، والذي رفضه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي . ويتضمن العرض الجديد، حسب الصحيفة الأمريكية، الطلب من إيران إرسال أكثر من ثلثي كميات اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج، كما سيُطلب من إيران، بموجب العرض الغربي الجديد، وقف إنتاج الوقود النووي الذي تصل درجة تخصيبه حالياً إلى نحو 20 في المئة، وهي خطوة مهمة للوصول إلى درجة تخصيب يمكن أن تنتج سلاحاً نووياً، وسيطلب من طهران أيضاً الالتزام بتعهدات اتفق عليها للتفاوض حول مستقبل برنامجها النووي . وتقول الصحيفة إنه لهذا السبب يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين أن العرض الجديد ربما سيفشل هو الآخر، لكنه سيظهر أن الرئيس أوباما مستمر في تعهده بالاستمرار في التفاوض مع الإيرانيين حتى مع ارتفاع درجة ضغط العقوبات على طهران . ويعتقد خبراء دوليون أن طهران تملك حالياً يورانيوم كافياً لصنع قنبلتين نوويتين، على الرغم من أن الأمريكيين يعتقدون أن الأمر يحتاج إلى سنة على الأقل لتخصيبه لدرجة التسليح، ومن ثم تحويله إلى سلاح نووي .

ووسط هذا الضجيج الكلامي اعتبرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أنه ينبغي السماح لإيران باستخدام الطاقة النووية المدنية، لكنها كررت اتهام طهران بالسعي إلى امتلاك سلاح نووي، وشددت على وجوب عودة هذا البلد إلى طاولة المفاوضات مع المجتمع الدولي حول برنامجه النووي، وكانت كلينتون قد صرحت بأن خلاف بلادها مع إيران لا يتعلق بمفاعل بوشهر بل بمفاعلي نتانز وقم، ومن جهته قال النائب الإيراني علاء الدين بوروجردي أن تشغيل المفاعل سيظهر أن الغرب على خطأ في اتهامه إيران بالسعي لإنتاج سلاح نووي . وسيبقى هذا الكر والفر والإقدام والإحجام والشد والجذب مستمراً لفترة زمنية يحقق الطرفان الإيراني من جهة، والأمريكي والأوروبي من جهة أخرى مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية، وسيبقى العرب على حالهم، تستخدمهم الأطراف لتحقيق مآربها .

لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تحقق مصالح كبيرة في منطقة الشرق الأوسط جراء صراعها (المفتعل) مع إيران، ويمكن إجماله في ما يأتي:

* أولاً: استطاعت الولايات المتحدة أن تغير مجرى الصراع بين العرب والكيان الصهيوني المستمر من أكثر من ستين عاماً، إلى صراع بين جزء مهم من الدول العربية وإيران .

* ثانياً: استطاعت أن تحول أولويات العداء من ldquo;إسرائيلrdquo; إلى إيران، وأن تشغل العرب بقضية بعيدة عن الصراع الرئيس، إلى درجة أعلن فيها مسؤولون صهاينة قبل فترة أنهم في خندق واحد مع العرب ضد إيران .

* ثالثاً: استطاعت تعزيز وجودها في المنطقة بذريعة مواجهة (الغول) الإيراني، و(الخطر الفارسي، والتمدد الشيعي) في المنطقة .

* رابعاً: استطاعت إقناع بعض دول الخليج العربية أن بإمكانها الدفاع عن نفسها والوقوف عسكرياً أمام التهديد الإيراني، فأبرمت صفقات بيع أسلحة أنقذت صناعة السلاح في أمريكا من الإفلاس، وعززت الاقتصاد الأمريكي، علماً بأن تسليم هذه الأسلحة سيكون خلال 10 أو 15 سنة، ما يعني أن الصراع أو لعبة (توم وجيري) ستبقى مستمرة لمدة 15 سنة أخرى، وأن هذه الدول في حاجة إلى حماية طوال عقد ونصف آخرين .

* خامساً: أتاح هذا الواقع لأمريكا أن تتدخل في رسم السياسات الإقليمية والمحلية في المنطقة، لما فيه الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار .

أما المكتسبات الإيرانية فيمكن ذكرها كما يلي:

* أولاً: تمكنت من تسويق نفسها بالدولة المحاربة (للشيطان الأكبر) المتمثل في الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo;، وبذلك استطاعت استقطاب الدول المناوئة (للشيطان) وإقامة حلف استراتيجي معها .

* ثانياً: استغلت الفرصة لبناء ترسانة عسكرية هائلة في المنطقة، وربما تؤدي إلى امتلاكها لسلاح نووي للدفاع عن نفسها في وجه التهديد الأمريكي وrdquo;الإسرائيليrdquo; وبعض الدول العربية .

* ثالثاً: تمكنت من شراء يورانيوم مخصب من روسيا ودول أخرى، وتوظيفه لتوليد الطاقة، ما سيوفر عليها الكثير من الوقود التقليدي .

إن انتهاء هذه اللعبة الأمريكية الأوروبية الإيرانية، إذا كانت فصولها تتم بالاتفاق أو بغير اتفاق، سيحرم الولايات المتحدة من وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة، وسيعيد الأنظار إلى العدو الأصلي والرئيس وهو دولة الكيان الصهيوني . وإن تحول إيران إلى دولة ديمقراطية أو شبيهة بالعراق الآن، سيسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً، وسيحرمها من وجودها العسكري قبالة روسيا والصين . وهكذا، فإن اللعبة ستستمر، طالما استمر التحالف الأمريكي الصهيوني الغربي، ولن تقوم حرب ولن تتحول إيران إلى حليفة لأمريكا . ويبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، والقضاء في يد أمريكا، عندها ينطبق قول الشاعر: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم . وإلى ذلك الوقت، ستبقى الموارد الخليجية والعربية مستهلكة استهلاكاً بشعاً من قبل أمريكا وأوروبا، وستبقى التحالفات الإيرانية كما هي، وسيبقى الكيان الصهيوني خالي البال، وإن أعلن بين وقت وآخر نيته لمهاجمة إيران، أو صرح بخطورة برنامج إيران النووي .