وليد نويهض

اليوم تعلن رسمياً نتائج الانتخابات التشريعية النصفية في الولايات المتحدة. وتشير الاستطلاعات إلى احتمال فوز الحزب الجمهوري بغالبية المقاعد في مجلس النواب بمعية laquo;حزب الشايraquo; الذي تحول فجأة إلى ظاهرة شعبية اكتسحت الطبقات الوسطى التي تتألف عادة من فئات تنتمي إلى الأعراق ذات البشرة البيضاء.

ترجيح خسارة الحزب الديمقراطي بعد نحو سنتين من فوز باراك اوباما بالرئاسة الأميركية بغالبية شعبية كاسحة يطرح السؤال عن الأسباب التي دفعت الجمهور الانتخابي إلى تغيير مزاجه بمثل هذه السرعة غير المتوقعة.

قادة الحزب الجمهوري يدّعون أن أوباما أعطي فرصة وفشل في اغتنامها لتمرير وعوده بالإصلاح. فالبطالة مثلاً لاتزال مرتفعة (9 في المئة على أقل تقدير)، والعجز في الموازنة الفدرالية لايزال يتضخم، والعجز في ميزان المدفوعات يواصل ارتفاعه، والعجز في الميزان التجاري يواصل نموه السلبي، والعجز في الديون يتراكم طردياً ويحتمل أن يوازن دورة الإنتاج السنوية في الفترة القريبة المقبلة.

قادة الحزب الديمقراطي يؤكدون أن الأعباء التي ورثها أوباما عن سلفه جورج بوش الابن كانت أثقل من كل التوقعات. فهو ورث عنه تكاليف حروب خارجية أرهقت خزينة الدولة من دون طائل سياسي أضيفت إلى كارثة نقدية جرفت في تداعياتها صناعة السيارات وقطاع العقارات وعشرات المصارف والمؤسسات النقدية والشركات الاستثمارية وأدت إلى طرد مئات آلاف العائلات من بيوتها وأعمالها ما زاد من مفاقمة أزمة التوظيف ورفع نسبة البطالة وأحبط خطة استيعاب الفائض من العاملين في الأسواق الاقتصادية.

هناك إذاً مشكلة بنيوية تتجاوز حدود مسئولية الحزب الديمقراطي، وهي ناتجة عن تدهور موقع الولايات المتحدة الدولي وعدم قدرة الإدارة الفدرالية على احتواء أزمة بدأت في العهد الجمهوري وتواصلت أمواجها في مطلع عهد رئاسة أوباما. والأزمة البنيوية هذه يرجح أن تكون مجرد مقدمة في مشهد مفتوح على احتمالات سلبية ستكون أكثر سخونة في العقد الجاري. والرئيس أوباما بات يدرك بعد تجربة قصيرة في الحكم مدى صعوبة تحويل وعوده الانتخابية إلى مشروعات قوانين بسبب العراقيل البيروقراطية واعتراض اللوبيات (أجهزة الضغط) التي تتخذ من المؤسسات واسطة لمنع الإصلاحات وخطط التطوير والتحديث.

المشكلة إذاً أعمق من أن ينجح الطرف الديمقراطي في حلها لأنها تحتاج إلى تعاون سياسي من الطرف الجمهوري حتى يمكن تدارك سلبياتها التي أخذت تعصف بالنموذج الأميركي وتهدد دوره الدولي وموقعه الخاص في حماية الأمن الداخلي ومنع انزلاقه نحو استقطابات أهلية قد تزعزع استقرار الولايات ونظامها الفدرالي. والانقلاب الذي حصل في مزاج الناخب الأميركي في أقل من سنتين لا يعبّر بالضرورة عن إحباط اجتماعي أصاب الطبقات الوسطى بسبب خيبة أملهم من تأخر أوباما في إنجاز وعوده وتردده في تمرير برنامجه الرئاسي. هذا الجانب يشكل قراءة سطحية للصورة لأن الناخب المتقلب المزاج يدرك تلك الصعوبات التي واجهت أوباما في إقناع الكونغرس للقبول بالحد الأدنى من الإصلاحات التي طالب بها في مجال القطاع الصحي والضمانات الاجتماعية للفئات المحدودة الدخل. ويدرك الناخب أيضاً أن أوباما فشل حتى الآن في انتزاع مطلب تعديل الضريبة لتحسين مردود الخزينة والحد من الإنفاق واحتواء العجز المتراكم في الديون وميزان المدفوعات.

الجانب الآخر من الصورة ليس دقيقاً أيضاً أو على الأقل لا يكفي لتحليل فشل الحزب الديمقراطي في تحقيق وعوده. فالرئيس أوباما لا يخدع حين يؤشر إلى دور شركات التأمين الصحي في محاربته وتمويل الحزب الجمهوري لإلغاء خطة الإصلاح. كذلك لا يتهرب من المسئولية حين يقول إنه ورث الأزمات عن سلفه بوش متهماً أصحاب الدخل المرتفع بالتردد في توظيف أموالهم في الاستثمارات الطويلة الأجل أو في البنية التحتية (طرقات، مدارس) التي وعد بتطويرها وتحديثها. مشكلة الضريبة تعتبر واحدة من العقبات السياسية التي تواجه أوباما وهي تشكل قيمة مضافة تثقل مهمته لأنه يرى أن تجاوز العجز المالي يتطلب تصحيح خريطة الضريبة وإلغاء تلك التخفيضات التي أجراها بوش على أصحاب الدخل المرتفع بذريعة تحفيزهم على التوظيف والاستثمار. وهذا ما يرفضه الحزب الجمهوري وشركات الطاقة والاحتكار.