محمد الصياد

هل جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية البحرينية على غير التوقعات؟ توقعات النخب وتوقعات الشارع؟

سؤال ربما يكون موجهاً إلى أولئك الحالمين الذين عقدت ألسنتهم الدهشة إذ كانوا يتوقعون، أو بصورة أدق كانوا يمنون النفس، بحدوث انعطافة ما في الحصاد التصويتي العام تؤدي لتبدل التركيبة الستاتيكية البرلمانية التي تهيمن عليها جماعات الإسلام السياسي منذ ثمان سنوات .

لاشك أن الأداء المخيب لنواب الجماعات الإسلامية في الدورتين البرلمانيتين السابقتين سواء من حيث انصرافهم لتعظيم امتيازات كرسيهم البرلماني أو من حيث استهلاكهم وإهدارهم للوقت في سجالات وتجاذبات طائفية لخدمة أغراضهم الحزبية والطائفية والفئوية الضيقة، وتعريضهم من خلال السلام الاجتماعي لمخاطر ومزالق تلك السجالات التحريضية البغيضة، إضافة إلى تحفز وتشجع العديد من المستقلين، في ظل هذا المعطى، لمقارعة مرشحي هذه الجماعات في عقر دوائرها التي اعتبرتها أنها باتت مغلقة وحكراً على مرشحيها - نقول لاشك أن هذه المعطيات ربما تكون قد أغرت البعض لافتراض وتوقع حدوث التغيير المأمول .

ولعلنا نحسب أن أولئك الحالمين أو الممنين النفس في حدوث التغيير المطلوب في معادلة الصراع البرلماني، لم يحسبوا حساب الأسلحة الفعالة التي تحوزها جماعات الإسلام السياسي حصرياً دون غيرها، ونقصد بذلك سلاح المال المتجمع لديها من مصادر مختلفة غير معروفة في معظمها، وبطرق شتى معظمها يقع على تضاد مع الوضع السيادي للدولة من حيث إنها الجهة الوحيدة صاحبة الحق الحصري في جباية الضرائب والرسوم ونحوها، وسلاح الدين وبمعيته تزكيات المرجعيات الدينية .

لما كان ذلك، فإن من الصعوبة بمكان تصور قيام منافسة مقبولة، كي لا نقول متكافئة، بين المرشحين الذين يتمتعون بحيازة ذلكم السلاح والمرشحين ldquo;العُزّلrdquo; إلا من إمكاناتهم وطاقاتهم الذاتية، أي في ظل هذا الميزان المختل اختلالاً فظيعاً في ldquo;مؤهلاتrdquo; المترشحين المتنافسين .

نعم لقد حذرت الدولة ممثلة في وزارة العدل المترشحين من استغلال دور العبادة مثل المساجد والمآتم في أعمال الدعاية الانتخابية، كي لا تحصل جمعيات الإسلام السياسي على ميزة تنافسية إضافية لها قبالة المترشحين المنافسين، حيث إنها تملك ldquo;حقrdquo; النفاد إلى دور العبادة وفرصه بشكل حصري يوفر لها فرصاً استثنائية للوصول إلى جمهور الناخبين .

إلا أن هذه الجمعيات، أو معظمها، لم يلتزم بهذا التوجيه، حيث سجل العديد من الخروقات بهذا الصدد، إذ واصل رموزها وقياداتها ومرشحوها لقاءاتهم وخطاباتهم عبر هذه المنابر التي وظفت ليس فقط في الإطار العام المشروع للدعاية الانتخابية وإنما في التشهير والتسقيط بالمرشحين المنافسين من خارج دائرة هذه الجمعيات، وتحذير الجمهور البسيط من مغبة التصويت لهم وتذكيرهم بعقاب الآخرة، وهو بلاشك شكل من أشكال الترهيب الذي حال على نطاق واسع دون تحرير إرادة الناخب، خصوصاً في المناطق التي تحتكم للقول الفصل للمرجعيات الدينية في تحديد خياراتها وبضمنها الخيار الانتخابي .

طبعاً لقد كان إسقاط رموز وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة في الانتخابات النيابية والبلدية مثل المرشحين النيابيين الدكتور حسن مدن والدكتور حسن العالي والمرشحين البلديين عادل درويش وعبدالحميد عبدالغفار وغيرهم من المحسوبين على التيار الديمقراطي وتيار المستقلين، على أيدي محتكري الدين، بقدر ما كان محبطاً فإنه كان بنفس القدر خسارة مؤكدة للعمل البرلماني والبلدي الناضج والمتقدم ذي النفحات الوطنية الجامعة الطاردة للخزعبلات والغوغائيات الطائفية المتوسلة استثارة ثقافة الفزعة وتناغم وتطير الدهماء .

نعم لقد أكدت الدهماء من جديد أنها -بالإضافة لمسخريها المرجعيين والطائفيين والقبليين والشعوبيين على اختلافهم- الورقة الرابحة في أيدي القابضين على إرادتها ومصيرها، وأنها اللاعب الأساسي والحاسم الذي يحكم الشارع البحريني والشارع العربي عموماً في تقرير مصائرنا وخيباتنا .

في التاريخ السحيق، في حوالي القرن السادس قبل الميلاد، وعندما شاهد الفيلسوف الإغريقي أفلاطون كيف كانت حشود الدهماء لحظة تنفيذ قرار الإعدام بالسم الذي صدر بحق أستاذه ومعلمه سقراط بتهمة التجديف، تهتف مطالبة بسرعة القصاص من فيلسوف اليونان العظيم، فقرر أفلاطون حينها وهو يصوغ رؤيته الشاملة لمشروع الدولة الناجحة في تأمين الاستدامة لاستقرارها وازدهارها بعيداً عن تأثيرات الدهماء ومفاعيلهم في تقرير مصير المجتمع وآليات إدارته واتجاهات تطوره .

إنه بالتأكيد ليس رأياً منتصراً لاصطفاء أصحاب العلم والاختصاص والعقل والمنطق وتحييد نفوذ العوام في الإدارة المجتمعية الكلية، بقدر ما هو قراءة وتشخيص صارمين وحسب، مجردين من أية أثقال عُصابية أو أيديولوجية .