باريس
قراءة الصحف الفرنسية في تشكيلة حكومة ما بعد التعديل الوزاري الأخير، وجرعة الأمل التي يطلقها استلام quot;إليو- ماريquot; لحقيبة الخارجية، ومخاطر تأثير المأزق المالي الإيرلندي على عموم منطقة quot;اليوروquot;، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
حكومة quot;فيونquot; الجديدة
ما زالت ملامح التعديل الوزاري الذي أجراه ساركوزي على حكومة رئيس وزرائه فرانسوا فيون تستقطب اهتمام معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية الكبرى. في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون انتقد الكاتب لوران جوفرين ما اعتبره مناورة من رئيس الجمهورية، الذي سعى لإعطاء عربون لليمين الحاكم فحشر نفسه في الزاوية الحرجة. وفي المحصلة تكشفت المغامرة عن مجازفة غير محسوبة. بل إن جبل الدعاية وحملة العلاقات العامة تمخض فولد فأراً سياسيّاً، يقول الكاتب، وجعل استمرارية مشروع التغيير الموعود موضوع تساؤل. وأكثر من ذلك أن مجيء آلان جوبيه إلى وزارة الدفاع مثل عمليّاً لحظة انسداد حقيقية لجهود الانفتاح، لأن فريق ساركوزي الراهن أصبح شبيهاً بفريق إعداد حملة انتخابية أكثر من كونه تشكيلة حكومية. والواقع أن حكومة ما بعد التعديل تمثل عدولاً عن جموح المشروع الذي بدأه سيد الأليزيه، بمعنى أن ما جرى تعديله في الحقيقة ليس الحكومة وإنما الساركوزية نفسها. والحال أن ما جرى يمثل بالفعل وفاءً لتكتيك سياسي قديم، مؤداه أن من وجد نفسه في مأزق سياسي حقيقي في quot;اليمينquot;، فعليه المبادرة بالانفتاح على quot;الوسطquot; السياسي. وهذه هي حال ساركوزي الآن، فقد ثبّط همته دخول شعبيته في حالة سقوط حر في استطلاعات الرأي، وأكثر من ذلك تمرد عليه بعض منتخبي حزبه quot;الاتحاد من أجل حركة شعبيةquot;، وتكاثفت عليه الضغوط من كل جانب، وانحشر في مربعه الخاص الضيق، في حين ارتفع نجم مساعده -ومنافسه- رئيس الوزراء فيون وخرج برأس مرفوعة من تداعيات quot;الأزمةquot;، في حين قفز وزيره القوي جان- لوي بورلو من السفينة بعدما استشعر نذر الغرق، ملتحقاً بتيار quot;الوسطquot; المغضوب عليه من طرف الحكومة، وربما استعداداً لترشحه المحتمل لرئاسيات 2012، التي يتوقع كثيرون أ تتكشف عن تصويت صادم لليمين الحاكم. ولا تقل نبرة النقد أيضاً في افتتاحية ثانية كتبها باتريك- آبل موللر في صحيفة quot;لومانيتيهquot; حيث يقول إن كوميديا التعديل الوزاري الذي ظل ساركوزي يسوِّف بشأنه انتهت، أخيراً، من حيث بدأت، بفرانسوا فيون، في قصر ماتينيون (مقر رئاسة الحكومة)، وكأن شيئاً لم يكن، مخيبة بذلك آمال أولئك الذين اعتقدوا أن مروِّج الوهم ساركوزي يمكن أن يخرج معجزة من جيبه. ولكن بعد عدة أشهر من المواجهات الاجتماعية يبدو أن الرئيس أفرغ ما في جعبته ولم يعد قادراً على إخراج شيء من قبعته ذات السقف المضاعف. وفي النتيجة تكشفت العملية عن هزيمة، ووحدهم المتعطشون إلى السلطة من الوزراء هم من وجدوا أماكنهم على المائدة. أما المصلحة العامة فخارج الحسابات. ولطالما وعد ساركوزي عندما كان مرشحاً للرئاسة، إن كان أحد ما يزال يتذكر ذلك، بأنه سيمارس نوعاً من مسح الطاولة، بتكريس أجواء جديدة لا يكون فيها للإضرابات أي مبرر. واليوم وقد وقع ما يعرفه الجميع، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف سنة من رئاسته، فليس أمامه سوى الاعتراف بالفشل. وأخيراً، في الاتجاه المعاكس، جاءت افتتاحية quot;بول- هنري ديلمبرتquot; في صحيفة لوفيغارو quot;اليمينيةquot; الذي قال إن كل أولئك الذين تم تسريب أسمائهم كمرشحين أو شبه مرشحين لرئاسة حكومة ما بعد التعديل ثبت أنهم لم يكونوا على قائمة اهتمام ساركوزي، فقد تم تكليف رئيس الحكومة السابقة quot;فيونquot; نفسه بإعادة تشكيل الفريق الجديد. وإذا كان كثيرون يتوقعون منه اليوم أن يضفي مسحة quot;اجتماعيةquot; على أداء الحكومة خلال المتبقي من السنوات الخمس لولاية ساركوزي، فما ذلك إلا لأنه من النوع الذي لا يعِد إلا بما يستطيع تنفيذه. وإذا كانت أسهمه ظلت في ارتفاع منذ مجيئه لقصر ماتينيون في سنة 2007 فسبب ذلك هو أنه، إلى جانب الرئيس، تمسكا بقول الحقيقة في مواجهة الفرنسيين، ولم ينساقا أبداً وراء الخطاب السهل، الذي لا يتبعه التزام. أما بالنسبة لأولئك الذين يحلو لهم انتقاد الحكومة الحالية، ومن ورائها رئيس الجمهورية، فعليهم أن يتذكروا أن إصلاح نظام التقاعد الذي وصف بأنه ملغوم ومفخخ سياسيّاً، قد تم في النهاية تمريره، بما يدل على أن أجندة الحكومة للعمل، وللإنجاز، وليس فيها مجال للوقت الضائع.
العرب وquot;آليو- ماريquot;
في صحيفة لوفيغارو كتب جورج مالبرينو مقالاً بعنوان quot;ميشيل إليو-ماري في الخارجية: العالم العربي سعيد لطي صفحة كوشنرquot;، قال فيه إن كثيراً من العواصم العربية من الجزائر إلى الرياض وبغداد قد استقبلت بأجواء من الارتياح تعيين السيدة آليو- ماري وزيرة للخارجية الفرنسية، وذلك لعلاقاتها المتميزة في المنطقة العربية، وليس فقط لأنها حلت محل برنار كوشنر الذي لم يصادف قبولاً واسعاً لدى معظم محاوريه في المنطقة. ومن نقاط القوة التي جعلت الوزيرة الجديدة محل ترحيب لدى معظم العواصم العربية أنها تمثل التقليد الشيراكي- الديغولي الفرنسي، المحبب في العالم العربي. وزيادة على هذا أن الوزيرة الجديدة تعرف منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير. وقد مكنتها سنواتها المديدة السابقة في وزارة الدفاع من نسج علاقات قوية مع معظم قادة وساسة المنطقة. ويمكن القول إن آليو- ماري تعرف جيداً، بشكل خاص، بلدان الخليج، وكذلك أفغانستان، وذلك بحكم ترددها المستمر على تلك البلدان، حين كانت تحمل حقيبة الدفاع. وتتمتع بصفة أخص بعلاقة مميزة في الرياض، حيث نالت ثناء في أكثر من مناسبة، وخاصة أن العلاقة العربية مع وزير الخارجية السابق كانت فاترة إلى حد كبير، بحسب الكاتب، الذي يضيف أن كوشنر تحول تقريباً خلال الفترة الأخيرة الماضية، إلى quot;شخص غير مرغوب فيهquot; في عواصم المنطقة. وسيكون في مقدور محاوري وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة التعامل مع دبلوماسية فرنسية مختلفة لا تستنفد جهدها في الشكل -أو حتى التكلف، يقول البعض- وتتعامل بعمق مع مختلف الملفات. وفي المقابل ستكون خلفيتها الديغولية محل حذر وتوجس من قبل إسرائيل، وهذه مسألة ينبغي التعامل معها لإخراج الدور الفرنسي من حالة سوء القراءة التي يعاني منها لدى بعض الأطراف في الشرق الأوسط. وفي المجمل فإن مجيء إليو- ماري للخارجية الفرنسية يطلق الآن جرعة أمل جديدة لدبلوماسية باريس الشرق أوسطية.
الأزمة الإيرلندية
صحيفة لوموند اعتبرت في افتتاحية لها أن المآزق المالية الإيرلندية الراهنة تعيد منطقة quot;اليوروquot; مجدداً إلى مربع الأزمة، الذي تصور كثيرون أنها قد بارحته منذ المبادرة القوية التي مثلتها تدابير احتواء الأزمة اليونانية. ويُخشى الآن أن تعيد الأزمة المالية الإيرلندية إغراق الأعضاء الأكثر هشاشة ضمن دول منطقة quot;اليوروquot; وخاصة اليونان، وإسبانيا، والبرتغال. إلا أن الاتحاد الأوروبي أصبح الآن متوفراً على آلية لمواجهة هذا النوع من المآزق، وهي المتمثلة في quot;الصندوق الأوروبي للاستقرار الماليquot;، الذي سيسمح بالتصرف ابتداء من هذا الأسبوع لمساعدة إيرلندا. وزيادة على هذا فإن في جعبة حكومة دبلن من الأموال ما تستطيع به إنعاش بنوكها المتعثرة، مما سيخفف الضغط على البنوك المركزية الأوروبية دون شك. وفي المحصلة سيخرج الأوروبيون من هذا المأزق في النهاية، ولكن في انتظار quot;الأزمةquot; التالية فحسب. أما الكاتب جان مارك فيتوري فقد أكد في افتتاحية quot;ليزيكوquot; الاقتصادية أن أوروبا أصبحت في الواقع هي رجل الكوكب المريض. فما زالت تجتاحها العثرات والهزات الارتدادية والأعراض الجانبية. وقد بدأت أعراض المرض كما يعلم الجميع بالظهور في الرجل اليسرى (اليونان)، في أبريل الماضي. وتم احتواؤها في مايو بثمن باهظ يعلمه الجميع أيضاً. والآن بدأت أعراض المرض ذاته تظهر على اليد اليمنى (إيرلندا)، مهددة بالانتشار في القدم اليمنى (البرتغال)، والفخذ الأيمن (إسبانيا)، لتعم بعد ذلك كامل الجسم الأوروبي! وفي الأخير أكد الكاتب أن الحلول اللحظية والعلاجات الموضعية والترقيعات لا يمكن أن تستمر طويلاً، ولذا فلابد من البحث عن حلول في الأسس والتشريعات والدستور والقواعد الاقتصادية المتبعة، في الاقتصاد الأوروبي.
إعداد: حسن ولد المختار
التعليقات