جورج ناصيف

رغم العطلة الطويلة التي عاشتها البلاد بمناسبة عيد الأضحى المبارك، والتي تمددت بفعل الإقفال الرسمي في ذكرى الاستقلال في 22 نوفمبر استمرت الاتصالات السياسية على أعلى مستوى بين بيروت ودمشق والرياض وطهران فضلاً عن مواكبة لصيقة من باريس التي زارها العماد ميشال عون ومن موسكو التي زارها رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري وعاد منها باتفاق مساعدات عسكرية سخية ومجانية للجيش اللبناني.

وإذا كانت البلاد قد أقبلت هذا الأسبوع على نشاط سياسي مكثف واستقبالات وزيارات متتالية في طليعتها زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إلى بيروت في 25 و26 نوفمبر، وزيارة الرئيس ميشال سليمان إلى الدوحة (قطر) بين 23 و24 الشهر الجاري إلا أن الاجتماع الذي جمع الرئيس سليمان مع الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارة معايدة خاطفة لسليمان، بقي مواد تعليقات شتى.

هل تسرب شيء من الاجتماعات الثنائية اللبنانية ؟ السورية. أو الاجتماعات السعودية ؟ السورية، خصوصاً أن ثمة سباقاً بين إنضاج التسوية الداخلية واحتمالات التدهور الأمني الذي عاد قائد الجيش جان قهوجي إلى التأكيد laquo;انه ممنوعraquo; وان الجيش لن يسمح laquo;بتحويل التباينات السياسية إلى فتنةraquo; خصوصاً أن تضحيات العسكريين مهما بلغت laquo;تبقى أقل كلفة مما سيدفعه الوطن إذا وقعت الفتنةraquo;.

المعلومات الشحيحة التي تسربت من المطابخ السياسية تشير إلى العمل السوري ؟ السعودي على إنضاج اتفاق ذي طبيعة برنامجية بين لبنان والأمم المتحدة واتفاق آخر ذي طبيعة داخلية لبنانية من اجل تفادي انقلاب الوضع الأمني وسقوط البلاد في الهاوية التي يخشاها الجميع.

في الشق الدولي ـ الإقليمي من القرار الظني حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري هناك كلام متواتر عن اتجاه سعودي ـ سوري إلى الاتفاق على مخرج يقضي بإعادة النظر في الاتفاقية بين لبنان والأمم المتحدة المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالمحكمة الدولية على قاعدة تعديل بعض بنود الاتفاقية المتصلة بالإجراءات القضائية ونظام المحكمة. على أن يصادق مجلس النواب على هذه التعديلات وترسلها الحكومة إلى مجلس الأمن الدولي طالبة العمل بها محل الاتفاقية السابقة.

وتحدثت المعلومات عن أن الأمير عبدالعزيز بن عبدالله المقرب جداً من الملك السعودي سيتولى في زيارته لسوريا متابعة تفاصيل هذا الاتفاق الذي يشير اليه الرئيس نبيه بري بكثير من الايجابية فضلاً عن إعلان تكرر من رئيس الحكومة سعد الحريري بأن laquo;الرئيس سليمان وهو (الحريري) والرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله لن يسمحوا بوقوع الفتنة أياً يكن الأمرraquo;.

أما في الجانب الداخلي من مشروع الحل السعودي ؟ السوري، فثمة توافق على ما يبدو على أمرين أساسيين.

1 ـ الاتفاق على عدم إعطاء أية تغطية لبنانية رسمية أو سياسية أو برلمانية للقرار الظني واعتباره كما جرى مع القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن ساقطاً أو لا شرعية له.

2 ـ تجاهل حيثيات القرار الظني الذي ربما يقضي باتهام laquo;عناصر غير منضبطةraquo; من حزب الله بعملية تنفيذ اغتيال الحريري، وعدم التعامل مع مفاعيله داخلياً مما يعني الامتناع عن تنفيذ أي حكم قضائي على الأرض اللبنانية يتصل بتوقيف من تتهمهم المحكمة أو تستدعيهم للشهادة.

بذلك يسقط القرار الظني من حيث انعدام القدرة على تنفيذه ميدانياً. ويتصرف لبنان الرسمي والبرلماني والعسكري باعتباره laquo;لم يكنraquo;.

فإذا كان قد تبين أن ثمة استحالة لإيقاف المحكمة أو تأخير إصدار القرار الظني إلى أمد لا نهاية له فإن الممكن لبنانياً هو الاتفاق على تجاوز القرار مما قد يفضي إلى بيان ـ موقف للرئيس الحريري لا يوافق على اتهام laquo;حزب اللهraquo;، مما يسحب فتيل الأزمة داخلياً.

تلك عناوين لاتفاق يصر أصحابه على إحاطته بأكبر قدر من السرية والكتمان خوفاً من تدخل قوى أجنبية لإعاقته قبل أن ينضج ويتحول اتفاقاً تفصيلياً يقر به البلدان المعنيان.

لكن الأسئلة تتكاثر هل يمكن ان يستمر لبنان على هذه الحال من laquo;التعليق السياسيraquo;؟

مجلس الوزراء يصطدم بمسألة إصرار laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه على البت في مسألة laquo;شهود الزورraquo; بإحالة الموضوع إلى المجلس العدلي فيما لا يوافق الرئيس الحريري على هذه الإحالة مؤثراً عليها الإحالة إلى القضاء العادي أو انتظار القرار الظني ومضمونه.

وهيئة الحوار تلقت ضربة موجعة سياسية بمقاطعة ممثلي laquo;المعارضةraquo; لها مما افقدها طابعها الجامع بحيث بات مجرد انعقادها انجازاً ما بعده إنجاز..

ورئيس الجمهورية يتعرض لضغوط متزايدة من اجل مغادرة موقفه الوسطي والانضمام إلى موقف المعارضة سواء من حيث التصويت أو من حيث المواقف المعلقة. وأمور المواطنين المعيشية (من كهرباء تتزايد أعباؤها إلى مياه تزداد تلوثاً وملوحة بفعل احتباس المطر إلى تزايد الغلاء بنسب فاحشة) تنتظر عودة الحياة الطبيعية إلى مجلس الوزراء.

كلها موضوعات تنتظر اتفاقاً سورياً ؟ سعودياً بات هو المعول عليه وحده لإخراج البلاد من موت بطيء وتوجس عام من أن الأيام المقبلة ليست بالضرورة بيضاء أو مشبعة بالأمل.