خالد حمد السليمان

قبل حوالي 20 عاما صدم المجتمع ببيان لوزارة الداخلية يعلن تنفيذ حكم القصاص بعاملة منزلية قامت بنحر طفلة رضيعة في حوض الاستحمام، يومها كان الموضوع حديث كل مجلس، وفي بهو جامعة الملك سعود كنا مجموعة من الطلاب الأصدقاء نتداول في الخبر عندما صدمنا أحد زملائنا بقوله: إن الطفلة المنحورة .. شقيقتي!!
قال إن المجرمة نحرتها في حوض الاستحمام دون مقدمات وبلا أي سبب ظاهر حيث لم تكن تشكو من سوء معاملة أو تبدي أي رغبات خاصة لم يتم تحقيقها، لكن الطفلة البريئة نحرت على مذبح إجرام إنسانة مضطربة قطعت آلاف الأميال من بلادها إلى منزل غرباء في بلاد غريبة لتقتلع زهرة وتسلب بسمة وتطفئ شمعة!!
لو أجرينا اليوم إحصاء بعدد الجرائم التي ارتكبتها العمالة الوافدة في المملكة لضاقت بها صفحات موسوعة جينيس، لكننا في خضم طوفان جرائم القتل والتعذيب والسحر والغش والخداع والسرقة والاغتصاب لم يحدث يوما أن وجهنا اتهاما جماعيا لشعب من الشعوب أو تجاوزنا في الإدانة مرتكب الجريمة، ذلك لأننا عقلاء ونفهم أن الكل لا يؤخذ بجريرة الفرد!!
لذلك أستطيع أن أصف كل هذه الاحتجاجات التي خرجت في إندونيسيا وقبلها في سيريلانكا بأنها احتجاجات تحركها مقومات عاطفية أبعد ما تكون عن طلب العدالة أو التعبير عن حالة السخط، لأن عشرات ملايين الوافدين الذين تعاقبوا على هذه البلاد ووجدوا فيها لقمة العيش الكريمة لا يمكن أن تعدل كفتهم حالات فردية من سوء المعاملة يتحمل جريرتها من ارتكب أفعالها!!
إن القانون وساحة العدالة هو الحكم الفصل في أي قضية بين طرفين ولا مجال هنا للمزايدة أو تسجيل المواقف العاطفية على حساب الموضوعية والمنطق ، وخاصة من بعض السعوديين الذي يتقمصون دور المثالية في كتاباتهم أو تعليقاتهم لمجرد تسجيل مواقف النقد الذاتي الساذجة التي تسيء إلى وطنهم بدلا من أن تحمي صورته من التشويه المتعمد لتيار الحقد والكراهية الذي يستغل مثل هذه القضايا الفردية لتعزيز مشاعر الكراهية الجماعية لوطن لا تشكل مثل هذه الجرائم أكثر من نقطة في ثوبه الناصع البياض!!
إن الإنسان السوي يتعاطف مع كل ضحية في أي جريمة دون تمييز، والضحية الإندونيسية في المدينة المنورة ليست إلا واحدة من ضحايا جرائم سوء المعاملة التي ترتكب في كل لحظة حول العالم، أما العدالة الحقيقية فهي التي تقتص من المجرم الذي ارتكب الجريمة لا من المجتمع الذي حدثت فيه الجريمة خاصة إذا كان مجتمعا لا تمر فيه مثل هذه الجرائم دون عقاب!!
لن أنتظر حتى تنحر خادمة مضطربة شقيقتي حتى أشعر بثقل الجرائم التي يرتكبها المجرمون الوافدون على مجتمعنا، لأبرهن على إيماني بأن العدالة تقتص من المجرم لا مجتمعه، لكنني بكل تأكيد لن أقع في فخ تسجيل المواقف الساذجة على حساب وطني!!.