راجح الخوري

عندما يصل الرئيس سعد الحريري الى طهران غدا سيصافح مضيفيه الايرانيين بيد لا تزال فيها حرارة تركيا ودفء المحادثات التي اجراها مع رجب طيب اردوغان.
لكنه سيجد في ايدي مستقبليه الايرانيين حرارة مشابهة ودفئا في العناق والترحيب، يليق اولا برئيس حكومة لبنان، وثانيا بالزعيم السني اللبناني الذي حرص دائما على رسم خط تواصلي متفاهم ومنفتح يدعو الى تعميق الثقة والتعاون مع طهران، حتى في تلك المرحلة العصيبة التي ذهب فيها بعض حلفاء ايران بعيدا في التحامل عليه منذ عام 2006 حتى هذه اللحظة.
ربما لأن الامور على هذا النحو تحديدا، ولأن ايران كررت دائما انها تريد ان تهزم اميركا من لبنان، فشنت quot;معركةquot; ضد اكثر من نصف اللبنانيين على قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، تكتسب زيارة سعد الحريري لايران اهمية كبيرة، ليس لانها ستعمق مروحة التعاون والاتفاقات الثنائية بين البلدين فحسب، كما اشار السفير الايراني في بيروت غضنفر ركن ابادي، بل لانها ستضخ مقدارا جيدا من البرودة والهدوء في الوضع اللبناني الملتهب الذي ينذر بالانفجار، رغم اصرار الحريري ودأبه على الدعوة الى الاستقرار والحوار والتفاهم، في حين تتصاعد لهجة quot;حزب اللهquot; والمعارضة عموما، محذّرة من انفجار يقلب الاوضاع ردا على القرار الاتهامي والمحكمة الدولية.
وعندما يهبط quot;ولي الدمquot; في طهران عشية صدور القرار الاتهامي وسط ترحيب المسؤولين الايرانيين، الذين يحرصون على ان يكون نجاح زيارة الحريري استكمالا لنجاح زيارة الرئيس محود احمدي نجاد للبنان، فان من شأن ذلك ان يبعث برسالة الى بيروت مفادها: كونوا في الهدوء ايها الغاضبون.
كان في وسع المسؤولين الايرانيين الذين لهم براعة quot;البازارquot; في حياكة السياسة، ان يؤجلوا موعد هذه الزيارة الى ان تتضح الصورة في لبنان، ولكن توقيت الزيارة الآن يعطيها اهمية ومدلولاً، اقلهما ان طهران تضع علاقاتها مع الدولة اللبنانية في مرتبة متقدمة، او انها تحرص على توسيع مروحة انفتاحها على كل القوى، بدليل روزنامة النشاطات الاخيرة للسفير الايراني في بيروت.
وعندما يقول السفير ابادي، في مقابلة له مع زميلنا وليد شقير نشرت في جريدة quot;الحياةquot;، انه لا يريد الدخول في تفاصيل المحكمة او القرار الظني، وان موقف بلاده هو مع كشف الحقيقة quot;بأحسن اسلوب واسرع زمن واقصر طريقquot;، فان ذلك يدعو فعلا الى التساؤل عما اذا كانت طهران قد غيّرت من موقفها الذي سبق له ان ساق الاتهامات الى المحكمة الدولية.
لا ندري طبعا ماذا يفعل الايرانيون لضبط الوضع في لبنان. ولكن ابادي تحدث عن اتصالات ايرانية مع سوريا والسعودية وقطر وتركيا، بما يوحي ان طهران تبذل جهودا محورية، او بالاحرى تقود مثل هذه الجهود، في وقت يتركز الرهان كما هو معروف، على محور quot;س. س.quot;، اي السعودية وسوريا.
المثير انه عندما سئل ابادي عما اذا كانت ايران تسلّم بما تعتقد سوريا انه حل للبنان، اقر بهذا مضيفاً كلمة quot;لكنquot;، كمدخل لمحاولة تقديم العلاقة الايرانية ndash; اللبنانية على العلاقة السورية ndash; اللبنانية، فقد قال: quot;دور سوريا لا احد يستطيع ان ينكره، ولكن لا تنسوا العلاقة الحضارية والثقافية القديمة بين ايران ولبنان... ان العلاقات الايرانية ndash; اللبنانية اغنى من اي علاقات تاريخية اخرى بين البلدان في العالمquot;!
هل يشكل هذا الكلام صيغة تذكرنا بـquot;جبهة مقاومة الشعوبquot; التي اعلنها نجاد في بيروت ووضعت لبنان وسوريا في القاطرة الايرانية؟
اياً يكن الجواب، فان زيارة الحريري لطهران تأتي على مفترق ذي مدلول صاخب!