احمد عياش

عندما وصل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الى طهران سقطت نظرية التوظيف السني لزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان للبنان في مقابل التوظيف الشيعي لزيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لهذا البلد. فالزعيم السني اللبناني الأبرز لم يجد حرجاً في التواصل مع ايران في ذروة احتدام الجدل حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي المرتقب صدوره عنها في شأن جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005. علما ان quot;حزب اللهquot; الذي يمثل أهم امتداد لايران خارج حدود الجمهورية الاسلامية لا يتوقف عن الترداد يوميا ان قرار المدعي العام الدولي سيتهمه بالضلوع في هذه الجريمة.
لا يحتاج المرء الى جهد ليتبيّن ان زيارة الحريري الايرانية ليست نبأ ساراً لـquot;حزب اللهquot; وحلفائه. حتى ان عضو كتلة quot;حزب اللهquot; النائب كامل الرفاعي، وقبل ان تصل طائرة الحريري الى طهران قال quot;ان ايجابيات الزيارة ستكون بسيطة وسطحيةquot;. والأمر يعود، كما قال الحزب وحلفاؤه مراراً الى ان رئيس مجلس الوزراء مدعو الى التبرؤ من المحكمة وقطع الروابط معها شرطاً لنيله حكم البراءة من الحزب وحلفائه. ولما كان هذا المطلب مستحيلا اصبحت طهران أقرب الى الحريري مما هي الضاحية الجنوبية التي يستقر فيها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
رب سائل عن الفوائد التي ستجنيها طهران من زيارة الحريري في وقت لا يزال حليفها quot;حزب اللهquot; في خضم معركة مواجهة المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي؟
قد يكون الجواب محدوداً ضيق الافق اذا كان محصوراً بلبنان. فايران، الدولة الاقليمية الكبرى في هذا الشرق تحسب حساباً لمساحة واسعة من النتائج ولو بدت ذات صلة ببلد صغير هو لبنان. وكل المقولات التي تتحدث عن تشدد ايراني يعبّر عنه quot;حزب اللهquot; تلاشت مع الصور الواردة عن الحفاوة التي احاط بها النظام الايراني ضيفه اللبناني. وهذه الصور لها وظيفة تتعدى لبنان الى المنطقة والعالم الذي يراقب بدقة كيف يتصرف حكام طهران في كل القضايا التي تهدد السلام العالمي ومن بينها قضية لبنان.
لعله من الضروري التذكير بما قام به العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز من انفتاح حيال الرئيس السوري بشار الاسد في قمة الكويت بعد خصومة اندلعت منذ جريمة 14 شباط 2005 وبلغت ذروة في تداعيات حرب تموز 2006. وكان من نتائج هذا الانفتاح قيام الرئيس الحريري تكرارا بزيارة دمشق وعقده اجتماعا تلو الآخر مع الرئيس الاسد وهو ما وصف بأنه حدث استثنائي بعد زلزال عام 2005.
ما تفعله طهران اليوم وما فعلته الرياض ودمشق بالامس يعكس الحسابات الباردة المتاحة في منطقة حارة جدا. لكن هذه المبادرات الودية لا تلغي المبادرات المتشددة التي يعكسها quot;حزب اللهquot; في سلوكه الراهن. ولا أحد يتصور أن تبقى طهران على وتيرة الانفتاح الحالي ومثلها سائر العواصم المعنية بلبنان اذا ما هبت رياح العنف ذات يوم لاسباب قد لا يكون لبنان معنياً بها إطلاقاً.
المحكمة الدولية أضحت اليوم وسيلة لربط نزاع يجعل لبنان رهينة لن يفرج عنها قبل معرفة احوال المنطقة التي تتنقل على سطح صفيح ساخن. وهذا الربط يجسده هذا التعطيل المفضوح لكل آلة الحكم اللبناني المعني بتوفير الحلول لكل أوجه الحياة في البلد بعيداً عن معرفة من قتل رفيق الحريري ورفاقه. وليس مستبعداً ان تكون هناك اوجه لاستمرار هذا الربط بعد صدور القرار الإتهامي وكشف المتورطين في هذه الجريمة التي هزت لبنان. والسبب ببساطة هو ان رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الأرز أنفسهم قد دفعوا حياتهم ثمناً لرفضهم ان يدفع وطنهم ثمن نزاعات المنطقة.
بالعودة الى زيارة الحريري الايرانية: ماذا كان يمنع أن تدعو طهران نصرالله الى مأدبة العشاء العامرة التي يقيمها نجاد اليوم على شرف ضيفه اللبناني في مجمع سعد آباد، بعدما شارك نصرالله في العشاء العلني الشهير في دمشق وجمع نجاد والأسد؟
من الواضح أن طبق الحل لم ينضج والمائدة التي سيوضع عليها لم تمتد بعد.