عمر عدس


لا تزال الرشوة التي عرضتها الولايات المتحدة على دولة الكيان الصهيوني، مقابل وقف جزئي مؤقت للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تثير انتقاد واستهجان المراقبين . وإن يكن ذلك من مواقع مختلفة وبدوافع مختلفة .

في صحيفة ldquo;ديلي ستارrdquo; (27/11/2010)، كتب رامي خوري: إن الكشف يوم الأربعاء في الولايات المتحدة عن أن واشنطن تعرض على ldquo;إسرائيلrdquo; ضمانات جديدة متعلقة بالأمن، مقابل تمديد التجميد الجزئي لتوسيع المستعمرات اليهودية في المناطق الفلسطينية المحتلة، ليس مدهشاً ولا مشجعاً . وهو يعكس استمرار التقليد المتبع في واشنطن الذي يؤكد الموقف المتزلف بل الخانع إزاء شؤون ldquo;إسرائيلrdquo; ldquo;الأمنية، باعتبارها القضية الجوهرية الأساسية في المفاوضات العربية- ldquo;الإسرائيليةrdquo;، التي يستغلها ldquo;الإسرائيليونrdquo; بدهاء للتأثير في المفاوضات التكتيكية لترجيح كفتهم في المفاوضات .

يتابع الكاتب قائلاً: ولكن الولايات المتحدة، بهذا النوع من خدمة المصالح ldquo;الأمنيةrdquo; ldquo;الإسرائيليةrdquo; ترتكب ثلاث غلطات كبرى . الأولى، أنها تحاول توفير ضمانات خارجية لتسكين المخاوف الأمنية ldquo;الإسرائيليةrdquo; في سياق تاريخي أظهرت فيه ldquo;إسرائيلrdquo; مراراً وتكراراً وعلى مدى عقود طويلة أنها لا تثق إلاّ بنفسها لتأمين أمنها . وبوسع الولايات المتحدة أن تعطي ldquo;إسرائيلrdquo; المال، والتكنولوجيا، والدعم الدبلوماسي وغير ذلك من المساعدة الملموسة، ولكنّ أمن ldquo;إسرائيلrdquo; لن يوكل إلى جهات خارجية . وكلما زاد رضوخ الولايات المتحدة للمطالب ldquo;الإسرائيليةrdquo; المرتكزة على حجج ldquo;أمنيةrdquo;- مثل مساندة الولايات المتحدة لوجودٍ ldquo;إسرائيليrdquo; طويل في وادي الأردن- كلما طلعت ldquo;إسرائيلrdquo; بمطالب جديدة تدّعي إنها حيوية لأمنها .

الغلطة الثانية، أن هذا النهج يضع الهموم والحقوق الفلسطينية في المرتبة الثانية، وهو الأمر الذي ظل من الأسباب الرئيسة لفشل عملية السلام بوساطة أمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي .

والثالثة، إن هذا النهج في الدبلوماسية ينزع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة من عملية حل النزاع، ويحولها إلى عامل تابع للشؤون الأمنية ldquo;الإسرائيليةrdquo; والإملاءات السياسية المحلية ldquo;الإسرائيليةrdquo; المرتبطة بالحفاظ على أغلبية برلمانية لحكومة الائتلاف القائمة .

ويُذكّر الكاتب بأن الاختراقات الكبرى الوحيدة في عملية صنع السلام العربية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، حدثت عندما لم تكن الولايات المتحدة الوسيط الرئيسي أو الأولي . فقد سارت واشنطن منذ عقود على مبدأٍ كان أول مَن عبّر عنه، وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسنجر، وهو أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل كل ما بوسعها لكي تجعل ldquo;إسرائيلrdquo; تشعر أنها آمنة، بحيث تستطيع أن تبذل التنازلات الصعبة اللازمة لاتفاق سلام . ولكن ذلك النهج، كان خطأ فادحاً، لأنه يمنح ldquo;إسرائيلrdquo; الوقت والحماية والغطاء الدبلوماسي، التي تحتاج اليها للاستمرار في توسيع مستعمراتها ومستوطناتها، بينما ترفض بثبات أهم قضية على الجانب الفلسطيني، وهي قضية اللاجئين .

ويقول الكاتب، إن منح ldquo;إسرائيلrdquo; مكاسب جوهرية مقابل تمديد مقتضب لتوقف جزئي في الاستيطان الصهيوني، يبدو طريقة غريبة لتحقيق اتفاق سلام شامل ودائم، ولكن الأمور الغريبة ستظل تحدث ما دام الساسة الأمريكيون وعملاء ldquo;إسرائيلrdquo; منهم يُملون سير الدبلوماسية، كما هي الحال الآن .

وفي صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; (21/11/2010)، وتحت عنوان ldquo;إذا كافأت الولايات المتحدة ldquo;إسرائيلrdquo; على أفعالها السيئة، فسوف نندم جميعاً على ذلكrdquo;، كتب السفير الأمريكي الأسبق لدى مصر ودولة الكيان الصهيوني، دانييل كورتزر، والذي يدرّس حالياً سياسات الشرق الأوسط في كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية، في جامعة برنستون: لم يمض سوى أكثر من سنة ونصف السنة بقليل، على مطالبة إدارة أوباما بتجميد البناء في المستوطنات ldquo;الإسرائيليةrdquo; في المناطق المحتلة، بما في ذلك ldquo;النمو الطبيعيrdquo; للمستوطنات القائمة . وفي ذلك الوقت، وصفت الإدارة النشاط الاستيطاني بأنه ldquo;غير شرعيrdquo;، وبدت مستعدة لمواجهة ldquo;إسرائيلrdquo; حتى النهاية لكي تبين مدى إيمانها العميق بأن المستوطنات تعيق السلام .

ولكن الإدارة تقول الآن، إنها مستعدة لكي تكافئ ldquo;إسرائيلrdquo; على تجميد جزء فقط من نشاطها الاستيطاني، وبصورة مؤقتة فقط . وللمرة الأولى، في ما تعيه الذاكرة، تكون الولايات المتحدة مستعدة لمكافأة ldquo;إسرائيلrdquo; على سلوكها السيئ ( . . .) .

ويوجز الكاتب العرض الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون في: أن الولايات المتحدة ستزود ldquo;إسرائيلrdquo; برُزمة من الأسلحة المتطورة من بينها طائرات ldquo;إف-35rdquo; والمساعدات العسكرية، تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات، وكل ذلك مقابل التزام ldquo;إسرائيليrdquo; بتجميد بناء المستوطنات لمجرد ثلاثة أشهر، ومن دون أن يشمل ذلك مدينة القدس . وفي أثناء تلك المدة، تأمل الولايات المتحدة أن تتفاوض ldquo;إسرائيلrdquo; والسلطة الفلسطينية على اتفاق على الحدود النهائية لدولة فلسطينية مُستقبلية .

ويقول الكاتب معقباً على ذلك: إن هذه فكرة سيئة للغاية . ومع أنّ مِن شبه المؤكد أن تندم الولايات المتحدة على رشوة ldquo;إسرائيلrdquo;، فإن ندم ldquo;إسرائيلrdquo; على قبول مثل هذه الرشوة قد يكون أكبر .

وندم الولايات المتحدة المحتمل، في نظره، يعود إلى أسباب منها، أن واشنطن قد تضطر بعد ذلك، إلى رشوة كل ذوي السلوك السيئ، لكي يكفّوا عن سلوكهم . . أمّا ندم ldquo;إسرائيلrdquo;، فسيكون على قبولها بأن تربط الولايات المتحدة المساعدات التي تقدمها إليها بشروط . ويضيف الكاتب: إن معارضة الولايات المتحدة في السابق للاستيطان كانت مدعومة بعقوبات، لا مكافآت، على استمرار البناء . فقد اقتطعت واشنطن من ضمانات القروض لrdquo;إسرائيلrdquo; كمية تساوي المال الذي صرفته هذه في المناطق المحتلة . وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة غضت الطرف عن المساعدات المالية الأمريكية غير المباشرة للأنشطة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في المناطق المحتلة- مثل التخفيضات الضريبية التي تُمنح للمنظمات الأمريكية التي تموّل المستوطنات- فإن الصفقة التي يتم عرضها على ldquo;إسرائيلrdquo; الآن ذات حجم هائل مختلف تماماً . فإذا تم تنفيذها، فستكون أول إعانة مالية تقدمها الولايات المتحدة للنشاطات الاستيطانية التي ظللنا نعارضها منذ أكثر من أربعين عاماً .

وفي موقع ldquo;كومون دريمزrdquo; (26/11/2010)، كتب رمزي بارود: إن سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخاصة بالشرق الأوسط، قد تكون الأكثر ضرراً في التاريخ حتى الآن، إذ تتجاوز حتى السياسات اليمينية لسلفه، جورج دبليو بوش . وحتى أولئك الذين حذروا من الإفراط في التفاؤل الذي رافق وصول أوباما البيت الأبيض، لا بدّ أنهم مذهولون الآن وهم يرون الحضيض الذي بلغه الرئيس الأمريكي لاسترضاء ldquo;إسرائيلrdquo;- وكل ذلك بحجة الحاجة إلى استمرار سير عملية السلام .