زهير الحارثي


ما يُهم الجميع هو أمن واستقرار المنطقة وهذا يتطلب سياسة متوازنة وعادلة من قبل الولايات المتحدة .أما إذا لم يتغير الدور الأميركي في المدى المنظور، فانه لا سبيل للحديث عن عملية تسوية أو سلام ، وعلى الأخص في ظل تعنت إسرائيلي مقيت

مضى عقد من الزمن ، وما زالا حاضريْن في الساحة صراعا وجدلا. القاعدة والولايات المتحدة الأميركية لعبتا دورا بارزا في إفراز الأحداث الفائتة وما تمخض عنها من مواقف ومعطيات . ولعل من يتأمل تراكماتها، وما آلت إليه من تحولات ومتغيرات، يوقن أن ثمة أسبابا سيكيولوجية وسوسيولوجية وراء وقوعها، وإن كان الظاهر للعيان أن خلفها أسبابا أيديولوجية وعقدية، إلا انه بالحفر (اريكولوجياً) تلمس الحقيقة، فتجد أن القشرة الفكرية ما هي إلا غطاء وقناع لعالم مليء بالعقد النفسية والتراكمات السلوكية الاجتماعية. القاعدة تقول بأنها ستفتح ألف جرح في الجسد الأميركي، متوعدة باستنزافه اقتصاديا ، وهو ما سيقوده إلى الموت البطيء. في حين أن رئيس الاستخبارات الأميركية السابق أشار بأن حربهم مع القاعدة ستستمر إلى أربعة عقود.

ولكي نمضي إلى المزيد من المقاربة ، وبقراءة تاريخية نرى أنهما كانا وجهين لعملة واحدة ، فحين العودة لتأمل السياسة الأيديولوجية والمستندة إلى القوة والهيمنة التي فرضتها مجموعة المحافظين الجدد آنذاك على الإدارة الأمريكية السابقة، تشعر جازما في أنها أدت إلى تصاعد الكراهية للولايات المتحدة والى تعزيز ظاهرة التطرف في آن.

أما القاعدة (كفكر ونهج) حين تحليلها معرفيا، نجد أنها تنطلق من أرضية رفض (الآخر)، فالعقلية هنا لا تتجاوب مع الجديد، ولا يمكن لها أن تتكيف وتتعايش معه، وما عليها سوى المواجهة بكافة الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، لذا تتحول الذات، هنا، إلى حالة انغلاقية، وتتمسك بفترة الماضي المختزل في أذهانهم.

على أن تطرف السلوك من الطرفين كان القاسم المشترك بينهما. نتذكر ردة الفعل الأميركية (الأحادية)، التي جاءت لتحاكي في سلوكها الفعل ذاته (الذي جاءت به منظمة القاعدة)، فالاعتقالات التعسفية حينذاك وعدم الاكتراث بقانون الحماية المدنية وتجاهل مفهوم حقوق الإنسان، سلوكيات طغت على السطح في فترة لا تتجاوز الأسبوع الأول بعد الحادث الدامي آنذاك.

هذا كان على المستوى الداخلي، في حين أن النهج الذي سلكته الإدارة الأميركية في التعامل مع الحدث خارجيا لم يبتعد كثيرا عن طبيعة تعاملها الداخلي، فاللغة كانت فوقية وتضمنت الكثير من الغطرسة والتفرد بالرأي،ومصطلحات ومفاهيم جاءت مع مجيء الإدارة الأميركية السابقة، وتزامنت مع حربها على الإرهاب، وإلا ماذا يعني (إن لم تكن معنا، فأنت مع الإرهاب)، (ومحور الشر ومحور الخير)... الخ

صحيح أن الكل ضد الإرهاب، ولكن الخلاف في الآلية لمكافحة هذا الوباء. أميركا كانت لا تعرف إلا لغة القوة، فبعد أحداث 11 سبتمبر تحديدا، نزعت الولايات المتحدة إلى مواجهة ما أسمته حينها بالإرهاب، من دون استشارة هيئة الأمم المتحدة، وبات من الطبيعي أن تنفرد الولايات المتحدة بضرب هذه الدولة أو تلك بدعوى محاربة الإرهاب، ولم تكن تكترث كثيرا آنذاك بالدعم الأوروبي أو حتى الغطاء الشرعي الدولي، فما لبثت أن أنجزت أعمالها بنفسها، ضاربة عرض الحائط ضرورة احترام المعاهدات الدولية أو محاولة إصدار معاهدة لمكافحة الإرهاب تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء.

من هنا، نرى أن عقلية تنظيم القاعدة لا تختلف عن عقلية الإدارة الأميركية السابقة، فكلاهما يرفض الواقع ولا يتعامل معه كما هو كائن، بل كلاهما يصوره كما يجب أن يكون (اي كما يريدانه أن يكون)، فالقاعدة تريد أن تستعيد وضع (الماضي) بتعذر استرداده وتحقيقه، وأميركا تريد أن تفرض وضع (الراهن) يصعب استمراريته، فكلاهما لا يعير اهتماما للمعطيات والظروف المحيطة، وبالتالي سقطت القاعدة كتنظيم وإن بقيت كعناصر ومؤيدين ومؤدلجين، أما أميركا فقد وصلت إلى الحضيض ، سمعة ومكانة، وتعمقت الكراهية لها بدرجة غير مسبوقة بسبب أفعالها في أفغانستان والعراق . ويبدو المشهد وكأنه حرب مفتوحة، ليست عسكرية بقدر ما أنها ايديولوجية.

والسؤال المطروح يدور حول قدرة الإدارة الحالية على استيعاب الدرس ، فما نلحظه أنها ما زالت في حالة تخبط وعدم توازن ولم تفعل شيئاً ملموساً لاسيما في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، فضلا عن أن أوباما لم يستطع بلورة الأفكار الايجابية التي سبق أن طرحها في خطابه الشهير بالقاهرة.

ويبدو أن العوائق التي فوجئ بها اكبر من توقعاته، فدور إيباك الصهيونية فاعل ومؤثر ومتغلغل حتى في داخل الإدارة الأميركية الحالية. كما أن البعض يرى أن اوباما استنسخ نفس الأساليب للإدارة السابقة ، رغم انه تحدث كثيرا عن القوة الناعمة والحوار والدبلوماسية، مركّزا على السياسة الخارجية دون أن يحقق الكثير من الإنجازات.

صحيفة واشنطن بوست أشارت في تحقيق لها إلى أن أوباما بات أضعف على الصعيد السياسي وهو في منتصف طريق ولايته الرئاسية، لا سيما بعد نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي جرت مؤخراً.

وتابعت الصحيفة إلى أنه لا تزال هناك مجموعة من قضايا السياسة الخارجية التي لم تحل بعد، مثل سحب القوات من أفغانستان وتعزيز آفاق السلام في الشرق الأوسط وكذلك العلاقات الاقتصادية مع الصين. وإن كان الرئيس الأميركي غالباً ما يتجه للملفات الخارجية عند مواجهته لمتاعب داخلية ،إلا انه عادة ما يتعامل معها بجدية في الفترة الثانية في حال تم التجديد له في الانتخابات الرئاسية.

على أي حال، واشنطن مطالبة بتحمل مسؤوليتها في إقرار السلام في حل الصراع العربي - الإسرائيلي ، لأنه في الحقيقة هو جذر المشكلة والذريعة التي تُستغل لإدامة التوتر وعدم الاستقرار في منطقتنا. فبقاء القضية بهذا الشكل سيفتح الباب على مصراعيه للحروب والتطرف والدمار، وحسب المراقبين، فان الإدارة الحالية لم تضغط على إسرائيل بما يكفي لإحياء عملية السلام.

ما يُهم الجميع هو أمن واستقرار المنطقة وهذا يتطلب سياسة متوازنة وعادلة من قبل الولايات المتحدة .أما إذا لم يتغير الدور الأميركي في المدى المنظور، فانه لا سبيل للحديث عن عملية تسوية أو سلام ، وعلى الأخص في ظل تعنت إسرائيلي مقيت، وفي حال الاستمرار هكذا ، فإن المحصلة إلغاء الاتفاقيات وربما تفضيل خيارات أخرى كحلول بديلة ما يخلق أجواء بعدم الاستقرار ويعزز ظاهرة التطرف والإرهاب ويضعف دور دول الاعتدال ويعطي ذريعة لأصوات الانغلاق والانعزال والتشدد كالقاعدة وغيرها باستغلال ذلك المناخ في تهييج الشعوب وتعزيز الكراهية للغرب والولايات المتحدة تحديدا وترسيخ مفهوم الصراع الحضاري.