معن البياري


طبيعيٌّ أن يَزعلَ باراك أوباما ويسْتاء، بل وأنْ يغضبَ ربما، من خسارةِ بلادِه استضافةَ بطولةِ كأس العالم في 2022، أما أنْ يصفَ فوزَ قطر بها بأنه قرارٌ للاتحاد الدوليِّ لكرةِ القدم laquo;الفيفاraquo; خاطئٌ وسيئٌ، فذلك فادحٌ في افتقادِه الكياسةَ والروحَ الرياضية.

وإذا كان تعبيراً انفعالياً عابراً، فإننّا نتحدّثُ عن رئيسِ الولاياتِ المتحدة الذي يُفترضُ أن يكونَ أي كلامٍ له محسوباً، وفي البالِ أنّه محامٍ ويعرفُ مقتضى أي منطوقٍ أو لفظ، وقيل إنَّ سحرَ بيانِه وكلامِه من مداخلِ طريقِه إلى البيت الأبيض.

وحسناً فعلت هيلاري كلينتون أنّها عمَدت إلى أنْ تَنْسى عبارةَ رئيسِها المستهجنة، لمّا هنّأت، في جمعٍ دوليٍّ في المنامة، قطر بظفرِها بتنظيمِ التظاهرةِ الرياضيةِ الكونيةِ الأهمّ بعد اثني عشرَ عاماً.

وربما أن ما فاتَ الرئيس الأميركي، وهو يقولُ ما قال، أنَّ العالمَ في الألفيةِ الثالثةِ شديدُ الاختلافِ عن سابقِه، فإذا لم يكنْ في وسعِ خيالِ أي كان أنْ يتصوّرَ، قبل عشرين عاماً، أنَّ دولةً صغيرةً ومحدودةَ السكان وعالمثالثية تطمحُ إلى تنظيمِ كأس العالم، وتنافسُ اليابان والولاياتِ المتحدّة وأُستراليا في ذلك، فالأمرُ لم يعدْ ينتسبُ إلى الخيالِ في عالمٍ متغيرٍ ومتسارعٍ، تتحطمُ فيه المنظوراتُ التقليديةُ إلى الدولِ والأممِ والشعوب.

من تفاصيل هذا العالم أن ريو دي جانيرو هي التي حظيت بتنظيمِ أولمبياد 2016، وليست شيكاغو التي روّج لها رئيسُ أقوى دولةٍ في العالم في بدء ولايته، اسمُه باراك أوباما. وأيضاً، أنَّ كوفي أنان، وصفَ laquo;الفيفاraquo; بأنّها أهمُّ من الأُممِ المتحدة، إبّانَ أمانتِه العامةِ للمنظمةِ الدوليّة.

وقد أجبرت laquo;الفيفاraquo;، الصيفَ الماضي، رئيسَ نيجيريا جودلاك جوناثان، على التراجعِ عن قرارٍ اتخذّهُ بحقِّ منتخبِ بلادِه، وأجبرت حكومةَ ساركوزي على الامتثالِ لتحذيرِها من التدخّلِ في الحركةِ الرياضية في بلادِها، بعد الأداءِ الرديء للمنتخبِ الفرنسيِّ في مونديال جنوبِ أفريقيا.

ومع التسليمِ البديهيِّ بتفوّقِ الولاياتِ المتحدة صناعياً وعلمياً ونفوذِها السياسي الكبير وأهوال قدراتها العسكرية ومكانتها القيادية الفريدة في العالم، ومع الإعجابِ الواجبِ بالشعبِ الأميركيِّ ومعجزاتِه.

يُخْشى أنّ أوباما صَدَرَ في قولتِه تلك عن فوقيّةٍ تجاه قطر، ما قد يجْعلنا نتذكَّرُ خطاباتِه، في القاهرةِ وغيرِها، عن علاقاتٍ متكافئةٍ بين الولاياتِ المتحدة والعالمِ الإسلامي.

وما يجْعلنا أيضاً نُذكّر مستشاريه ومعاونيه بأنَّ البهجةَ الأهمَّ للعبةِ كرة القدم، وفي كأسِ العالم تحديداً، تُحقّقها المشهديّةُ الاحتشاديّةُ التي تُعولمُ الأرض كلها في لحظاتٍ تنشدُّ الأنظارُ فيها إلى مهاراتِ لاعبين تتنوع سحناتُهم (شاهدنا سوداً كثيرين في منتخبِ سويسرا في المونديال الماضي).

ما ينبغي أنْ يدفعَ إلى تعزيزِ المشتركاتِ والأشواقِ الإنسانيّةِ الواسعةِ، بدلاً من الاستقواءِ بالعولمةِ الأميركيةِ إياها، خصوصاً في نزعة الاستحواذ فيها.. والاستعلائيةِ أحياناً.

قطر إحدى أكبرِ خمسةِ أنظمة اقتصاديةٍ متزايدةِ النموِّ في العالم، ولم تتأهلْ يوماً لنهائياتِ كأس العالم، غير أنها دللت في استضافتها بطولةَ الألعابِ الآسيوية في 2006 (مثلاً)، على خبرةٍ متفوقةٍ لدى صناع القرارِ والتنفيذيين فيها.

وتوازى هذا مع حيويةٍ نشطةٍ للدبلوماسيةِ القطرية، جعلت لها أدواراً حاسمةً في غيرِ ملف، وحضوراً خاصّاً في قضايا لبنان وفلسطين والسودان واليمن (مثلاً)، وفي ملفاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ غيرِ قليلة.

وتبدّت العاصمةُ القطريةُ في العقدِ الماضي منصّةَ نقاشٍ مفتوحٍ في شؤونِ السياسةِ والفكرِ والتعليمِ وحرّياتِ الإعلام، كما تمثلَ في تنظيمِها مؤتمراتٍ عديدةً في هذه المجالات وغيرِها، وفي استضافتِها جولةً لمنظمةِ التجارةِ العالميةِ laquo;الجاتraquo;.

وبذلك، فإن فوز قطر بتنظيمِ كأس العالم، موصولٌ بنجاحاتٍ غيرِ قليلةٍ في غيرِ شأن. وكانَ عظيمَ الأهميةِ قولُ أميرِها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إنَّ إنجازَ بلادِه هذا لكلِّ العرب، ما يُبْهجُنا جميعنا... ويُنْسينا سقطةَ باراك أوباما ربما.