محمد السعيد ادريس

يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد استوعب جيداً درس انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب)، وحكام الولايات التي جاءت بمثابة هزيمة كبرى للحزب الديمقراطي لصالح الحزب الجمهوري المنافس، وإشارة شديدة السلبية لفرص الرئيس أوباما للتجديد لفترة رئاسية ثانية، بدأ التنافس الشديد حولها من الآن .

أهم هذه الدروس بالطبع هو درس الانحياز المطلق للكيان الصهيوني، وأن أي محاولة للإنصاف أو لدعوة السلام مرفوضة، إن لم تكن ldquo;إسرائيليةrdquo; . فالإنصاف والانحياز يجب أن يكون بالمطلق ل ldquo;إسرائيلrdquo;، أما السلام فيجب أن يكون سلاماً ldquo;إسرائيلياًrdquo;، أي سلاماً يحقق أهداف ومصالح الدولة الصهيونية التي بدأت تتركز الآن في تحويل الكيان إلى دولة يهودية، بما يعنيه ذلك من التوسع الاستيطاني والتهويد لكل فلسطين كهدف، أو لأوسع وأهم المناطق في الضفة الغربية (تكتيكياً)، وتفريغ ldquo;إسرائيلrdquo; من أهلها العرب، وضم القدس وإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى شرط الأمن في العلاقة مع دول الجوار وفي ترتيب العلاقة مع الفلسطينيين .

هذا الدرس من المؤكد أن أوباما استوعبه، فالشواهد أمامه تؤكد ذلك، فالجمهوريون فازوا في الانتخابات الأخيرة بشعارات التنديد بسياسة أوباما نحو ldquo;إسرائيلrdquo;، وبمواقفه الليّنة وغير الحاسمة مع إيران، والذين فازوا بالمقاعد والرئاسات في مجلس الكونغرس ولجانه الأساسية هم صقور المحافظين الجدد، وأصدقاء ldquo;إسرائيلrdquo; المقربون .

الآن وبعد انتخابات التجديد النصفي، أصبح جون بانير رئيساً لمجلس النواب، وأصبح إريك كانتور زعيماً للأغلبية الجمهورية الجديدة في المجلس، وهما من خلال هذين الموقعين أصبح في مقدورهما التحكم بدرجة كبيرة، واعتماداً على الأغلبية الجمهورية، في توجيه جلسات المجلس وجدول أعماله، ومشروعات القوانين، ما يعني أن توجهات الكونغرس ستكون في الاتجاه الذي يخدم ldquo;إسرائيلrdquo;، وأن الرئيس أوباما سيجد نفسه أمام أحد خيارين، إما المزايدة على ولاء أغلبية الكونغرس ل ldquo;إسرائيلrdquo;، والانقلاب على نفسه وعلى سياساته، وبالذات إزاء موضوع ldquo;حل الدولتينrdquo; ورفضه للتوسع الاستيطاني، والبدء في نهج سياسة أكثر انحيازاً ودعماً ل ldquo;إسرائيلrdquo; لإنجاح مشروعاته داخل الكونغرس، وتصحيح أجواء الانتخابات القادمة سواء الرئاسية أو انتخابات الكونغرس بعد عامين من الآن، أو أن يدفع أثماناً فادحة لسياسة التردد في مجاراة أجواء الانحياز ل ldquo;إسرائيلrdquo;، ويخسر فرصة تجديد رئاسته لدورة أخرى ثانية، ويدفع حزبه الديمقراطي إلى خسارة جديدة بعد عامين . بولتون يدخل الآن منافساً مبكراً للرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد أعلن عزمه على ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة عن الحزب الجمهوري، وفي أول إطلالته بادر إلى إعلان خطة هجومية قادرة على ldquo;تقزيمrdquo; سياسات الرئيس أوباما، وبالذات في الملفين الرئيسيين بالنسبة له: الملف الفلسطيني والملف الإيراني، فقد حرص على أن ينعى ldquo;حل الدولتينrdquo; الذي يتبناه الرئيس أوباما كحل أمثل لما يسمى الآن ب ldquo;النزاع الفلسطيني ldquo;الإسرائيليrdquo;rdquo; (المصطلح الذي أصبح بديلاً للصراع العربي الصهيوني) وطرح بديلاً له هو ldquo;حل الدول الثلاثrdquo;، واعتبر في حديث مع صحيفة ldquo;جيروزاليم بوستrdquo; الصهيونية، أن ldquo;النموذج الكامل لحل الدولتين فشل، فليس هناك أي أحد من الجانب الفلسطيني يمكن الثقة به، وبأنه سيقدم الالتزامات الضرورية لتحقيق السلام، أو سيتمكن من تحقيقه مستقبلاًrdquo; .

أوباما يجد نفسه الآن في موقف شديد الضعف، وحتماً لن يفرط في فرص نجاحه في الانتخابات القادمة، ومن ثم فإن الأرجح أنه سيتحول إلى الاتجاه الآخر، أي تسويق مواقفه الخاصة برفض سياسة الاستيطان، والتلكؤ في السير قدماً في خيار حل الدولتين، وهذا يعني أن الدعم الأمريكي للمفاوضات سيجري تجميده، أي أن الاستيطان سينطلق والمفاوضات هي التي ستتجمد، ولقد ظهرت مؤشرات ذلك في ما كشفه مسؤول فلسطيني بأن الإدارة الأمريكية أبلغت السلطة الفلسطينية بفشل جهودها لدى ldquo;إسرائيلrdquo; لتجميد الاستيطان، كما ظهرت في تعليق فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية على مقال جرى سحبه سريعاً من موقع وزارة إعلام السلطة بعد ضغوط أمريكية، كان يؤكد إسلامية حائط البراق، ورفض العلاقة المزعومة لليهودية . فعلى الرغم من سحب هذا المقال فقد أدان كراولي هذا المقال، ورفضه رفضاً تاماً، واعتبره استفزازياً جداً، ولا يراعي الحساسيات، واعتبر الحديث عن ldquo;إسلامية حائط البراقrdquo; شكلاً من أشكال نزع الشرعية عن ldquo;إسرائيلrdquo; .

إدارة أوباما تنقلب على نفسها، والفلسطينيون والعرب مازالوا في انتظار الحل الأمريكي الذي ربما لا يكون إلا جون بولتون .