ميرزا أمان
انشغل العالم، ولا يزال، في ما قام موقع ويكيليكس بنشره من وثائق أمريكية ادعى بأنها سرية وأنه حصل عليها بطريقته الخاصة. وثائق وصل عددها إلى عشرات الآلاف وشملت مراسلات سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم مع وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن وتقارير رفعها مسؤولون ومشرعون أمريكيون عن زياراتهم إلى دول العالم ومباحثاتهم مع المسؤولين في البلدان التي زاروها.
وكان للتباين في ردود أفعال الدول المعنية بتلك الوثائق، حيث أنكر البعض فحوى المراسلات وفسرها بعض آخر بما يراه وسكت البعض الآخر عنها فلم ينفِ ولم يؤكد ما جاء فيها، كان لهذا التباين دوره في زيادة انشغال العالم بهذه الوثائق. وما زاد laquo;الطين بلةraquo; هو ردود الفعل الأمريكية التي لم تنفِ ما جاء فيها بل ركزت على ما ادعته laquo;الخطر الذي يسببه نشرها على المواطنين الأمريكيين!raquo;
والحقيقة فإن الأمر لا يستحق كل هذا الاهتمام، بل إنه يجب تجاهله كلية لأن الأمر برمته مجرد فتنة أمريكية مكشوفة لا يجب التجاوب معها والركون إليها. فبحكم معرفتنا بما تحاط به مثل تلك الوثائق من سرية يستحيل على موقع اليكتروني، مهما بلغ من التطور والمقدرة، اعتراض واستنساخ ذلك الكم الهائل من الوثائق التي أرسلت من مئات المصادر حول العالم. لابد من وجود أيد أمريكية رسمية سهلت للموقع الحصول على هذه الوثائق. قد تكون تلك الأيد تعمل بأمر رسمي، لحاجة في نفس الإدارة غير خافية على أحد، وقد يكون بغير علم الإدارة الأمريكية ولمصلحة غير أمريكية، ومالإيباك عنها ببعيد. المهم كان هناك من يساعد الموقع في الحصول على هذه الوثائق.
أما عن عملية إبراز المعلومات والوثائق على أنها سرية فنقول بأن جل ما حوته تلك الوثائق لا يبارح الدرجة الدنيا من السرية والمعروفة بـ laquo;الكلاسفايدraquo; أو laquo;محدود الاطلاع عليه وما يعرف بـ الليميتد أُفيشال يوز.raquo; وهاتان الدرجتان سرعان ما تذوبان أو يتم تذويبهما، رسميا، وتكشف المعلومات للعلن بحيث تصبحان laquo;أن كلاسيفايد.raquo; وعملية رفع وتنزيل وإزالة درجة السرية في هذه الحالة يتمتع آلاف الموظفين في وزارة الخارجية الأميركية وسفاراتها في الخارج. إذا قد تكون هذه الوثائق في بدايتها في هذه الدرجة من السرية وتم رفع السرية عنها بعد فترة قصيرة.
أما محتوى الوثائق فهو أيضا لا يجب التركيز عليه ولا التسليم بما جاء فيه. معظم الوثائق تتكلم عن انطباعات واقتباسات لما حصل في لقاءات مع مسؤولين من الدول المعنية. وهنا يبرز أمران هامان. الأمر الأول هو أن لغة التخاطب غير مشركة بين الملتقين وقد يحصل سوء فهم نتيجة العائق اللغوي laquo;اللانغويج باريارraquo; كما يقول إخواننا الأمريكيون. أما الأمر الثاني فهو نوعية المسؤولين الأمريكيين الذين جاء بهم النيوكونسيرفاتيف الأمريكي. هذه النوعية من المسؤولين التي تفتقر إلى ثقة أقرب الناس إليها لما تتصف به من غباء دبلوماسي منقطع النظير وفقدانها الولاء لأمريكا والعمل لصالح جهات غير أمريكية وتقديم مصالح الصهاينة على المصلحة الأمريكية كيف لنا أن نثق فيما تكتبه وتستخلصه من اجتماعاتها؟ لهذه الفئة من المسؤولين مصلحة كبيرة فيما حصل وما كتب، بل إن بعض أفرادها لا يتردد عن وضع الكلمات في أفواه ملتقيه. والدليل على ذلك بأن كل السفراء الذين ظهروا للعلن لم يبدُ منهم أي إكتراث لما سببته وتسببه وثائقهم لمن التقوا بهم ولم يشعرون بالذنب بل على العكس من ذلك ركزوا على بيانات سادتهم في الخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والكابيتال هيل.
أفضل طريقة للتعامل مع تلك الوثائق ومحتوياتها هو تجاهلها وأخذ الحيطة والحذر عند لقاء ممثلي النيوكونسيرفاتيف، وربما تكون هذه هي الحسنة الوحيدة التي جاءت بها عملية نشر هذه الوثائق.
التعليقات