سمير عطا الله

لم يكن لي، منذ يفاعتي، خيار آخر، ولن يكون لي، في سن النضوج، خيار جديد. كان خياري العروبة؛ لأنها قدري وأرضي وتاريخي. ولأنني، في أي مكان آخر، غريب. لكنني لم أعتبر العروبة فرضا، بل حبا. واعتقدت، منذ يفاعتي، أن كبر العروبة يمكنها من استيعاب كل من ولد على أرضها، وجميع من جاء إلى هذه الأرض مع سنوات الإمبراطورية أو ما بعدها.

كنت أحتقر مصطلح laquo;الأقلياتraquo;؛ لأن قانون الطبيعة لا يعترف بالتمايز. خذ قطعة أرض من مائة متر وسوف تعطيك قمحا وعنبا وتفاحا ووردا وشرش الزلوع. لم أكن أقبل أن يحارب العرب الأبارتيد في جنوب أفريقيا وفي الولايات المتحدة ثم نصفق في العراق لقصف الأكراد، باسم العروبة. لم يكن ممكنا أن نستنكر معاملة إسرائيل الاستعمارية للفلسطينيين وأن نقبل معاملة الدول العربية لأبنائها، بلا حقوق، وبلا أمل، وبلا مستقبل، وغالبا بلا كرامة بشرية.

طبعا، وقفت في الماضي ضد انفصال الأكراد. ووقفت ضد التقسيمين في لبنان. ووقفت ضد جنوب السودان مع laquo;مركزيةraquo; الشمال. ولكن ألم يحن الوقت للضمير العربي أن يسأل: ماذا فعلت الخرطوم للجنوب غير الحرب؟ وهل نلوم الأكراد وهم يبنون كيانهم المنفصل بكل هدوء، ودون إعلان؟ ألا يشعر الذين أيدوا حرب بغداد على الشمال، ومنهم صاحب هذا القلم، بالعار وضرورة الاعتذار؟ ألم يكن في قدرة العروبة أن تتسع لكل من هو على أرضها وبين حناياها، من أعراق وأنساب، أم أن العروبة أن نظل في الجاهلية، نحارب مائة عام من أجل فرس ومائة عام أخرى من أجل حصان؟

بكل حواسي أحزن لقيام الكيان الكردي في العراق، بعيدا عن العراق. وبكل مخاوفي أحزن لانفصال جنوب السودان وربما بعده ولايات أخرى. وبكل مشاعري وصداقاتي وذكرياتي أخاف على اليمن. وبكل إدراك سياسي وفكري وثقافي، أعرف أن الانفصالات رغبة إسرائيلية وأمنية إسرائيلية وسعي إسرائيلي. ولكن، على الرغم من ذلك كله، هل هناك ما يمكنني من أن أناشد جنوب السودان البقاء تحت السلطة المركزية؟ هل الآن أفيق إلى أنه كانت هناك حلول أخرى غير الضرب والقصف ومقاتلات السوخوي، في جنوب السودان وشمال العراق؟ ألم نتأخر قليلا؟ ألم نكن نعرف أن قصف الأكراد وقصف الجنوبيين بتلك الوحشية يحولانهم من مواطنين إلى انفصاليين؟