سيد أحمد الخضر

في معظم وسائل الإعلام العربي لا يجب أن تمس دولاً معينة بسوء لأن هذه الدولة تداهن تلك أو لأنهما تنظران معاً إلى مشاكل المنطقة من زاوية واحدة.. لذلك من غير اللائق أن تنتقد الرفقاء والحلفاء والأصدقاء وكثيراً من الأشقاء بحكم أن الرأي هنا مضر بالعلاقات الثنائية وبمستقبل التعاون بين البلدين.. وليس لزاماً أن ترفض المواقع أو الصحف رأياً من كاتب يسيء لتلك العلاقات لأن الكتاب أنفسهم مهذبو الطباع ولن يسيلوا مداداً لا يخدم الدول الصديقة والشقيقة.. وهنا تلعب الرقابة الذاتية دور المقص فلكل مثقف قرين يوجهه لأن يكون كاتباً رزيناً ومثقفاً صالحاً يعرف كيف يملأ العمود دون أن يستفز أحداً.. هذا السلوك القويم لكتاب زماننا هذا يمنعهم أيضاً من الحديث عن أي إيجابية في الدول والتيارات والأحزاب غير الحليفة لأن إعلام أي بلد لا ينبغي أن يقدم خدمات مجانية لدول لا تسير معه في فلك واحد، ودائماً يفهم الكتاب هذه المحاذير حتى من دون تنبيه. مثلاً إذا كانت الوسيلة الإعلامية في محيط يؤيد حركة فتح فهذا يعني أن الكاتب يجدر به ألا يذكر حماس ولا الجهاد بخير فالكاتب هنا سيروج للاعتدال ويكرس القلم لنبذ العنف والتطرف وإذا لم يهاجم حركات المقاومة يومياً فلا أقل من التغاضي عن محاسنها، والعكس صحيح أيضاً فمثقفو محيط الممانعة ليس بوسعهم أن يقولوا خيراً في محاور الاعتدال فإما نقداً لاذعاً أو صمتاً مطبقاً.
هذا القانون غير المكتوب يقتضي أن يتجاهل أصحابنا في الطرفين أحداثاً مهمة فيجف القلم عن تناولها، لأن الكتاب طيبون جداً وقد أخذوا على أنفسهم عدم التطرق لأي موضوع لا يفهم منه التبجيل والحمد والثناء ومع ذلك هم كتاب رأي.
هذه الحقيقة توجب على المتابع أن يتلقى يومياً قراءتين لأحداث وقضايا المنطقة كل منهما تكرس فهماً معيناً وتأتي في سياق محدد يجب تطويع الحدث له.. وعليك أيضا أن تبحث عن الرأي في الضفتين لتخرج في النهاية من دون رأي لأن مقالات الكتاب الكبار عبارة عن بيانات مساندة أو عرائض تنديد لا أقل ولا أكثر.
وهنا لا يجب أن نظلم جهة بعينها فهذا القانون يحكم جميع الدول العربية، وقد قال بوش الذي كان قدوة قبل عامين إن laquo;من ليس معنا فهو ضدناraquo;، أنت حر في أمرين فقط: معهم أو ضدهم.. لا مكانة للون ثالث ولا خيار لصاحب القلم.. يجب أن يكون الرأي في إحدى الضفتين لأن عالمنا لا يستوعب رأياً ثالثاً.. وكل شيء يغري في دول المنطقة إلا أن تكون كاتباً مستقلاً فتلك بداية البوار.. نعرف أنك أيها القارئ الكريم ضحية لهذا المبدأ فالحقيقة هنا ليست دائماً جلية لكن هذا هو واقع الإعلام الرسمي منه والمستقل.. وحده لبنان يمكن أن نتناوله بالسلب وبالإيجاب في أي وسيلة إعلام عربية ومن أي دولة.. لذلك ترى لبنان يستقطب اهتمام الكتاب ليس حرصاً عليه ولكن لأنه ساحة غير محرمة.. حتى الكتاب الذين تعج دولهم بالمشاكل السياسية والاجتماعية لا يملك الواحد منهم إلا أن يطالعك بمقال طويل وعريض يتحدث فيه عن لبنان ويشخص وضعه السياسي والاجتماعي.
بإمكان الكاتب العربي أن ينتقد لبنان حكومة وأحزاباً وتيارات، ويمكنه في ذات الوقت أن يكون مع تيار في لبنان على حساب الآخر ويقدم حلاً للمشاكل التي يعاني منها البلد وتصوراً للخروج من الأزمات التي يمر بها.. ربما لأن لبنان فضاء يسكنه التنوع ويحتفي بالاختلاف. بات ملاذاً لجميع الكتاب وكأنه لكل من هب ودب.