نبيل بومنصف
لا يحتاج اللبنانيون الى عناء كبير لـquot;تشغيلquot; مخيلتهم حيال الجلسة الموعودة اليوم لمجلس الوزراء والتي قد تكون اقرب الى مشهدية ساخرة في الشكل والمضمون اكثر منها الى حدث سياسي موصوف.
فبصرف النظر تماما عن التوقعات والتقديرات السابقة للجلسة، تكتسب هذه المشهدية دلالة رمزية على تحكم ميزان القوى التعطيلي بمصير الحكومة والمؤسسات والبلاد برمتها وناسها ومناطقها ليس من خلال النتائج المرتقبة للجلسة فقط بل اولا من خلال بعد شكلي وquot;حسابيquot; مبسط.
معلوم ان جدول الاعمال لهذه الجلسة يعتبر سابقة مثيرة في تاريخ الحكومات quot;الطبيعيةquot;، اذ بخلاف حقبات الحروب طبعا، لم تجد حكومة نفسها في زمن quot;سلميquot; امام جدول اعمال من اكثر من 300 بند وملف تتراوح اهميتها من البسيط الروتيني الى الاكثر اهمية وتوهجا واستثنائية على غرار ما يسبغ من صفات على ذلك الملف الذي يسابق القرار الظني في تفجره.
اذاً، لن يقوى اي وزير مهما بلغت قوته quot;البدنيةquot; وتمتع باللياقة الرياضية quot;الجسديةquot; (هنا) ان يحمل 300 ملف من مختلف الاوزان. كما ان طاولة الجلسات في القصر الجمهوري لن تتسع لتسعة آلاف ملف، باعتبار ان عدد اعضاء مجلس الوزراء هو 30 مضروبا بـ300 لكل منهم. ولا ندري كيف ستتعامل دوائر القصر مع هذا الحشر الكمي الهائل للملفات، وكيف سترصف الاكوام تحسبا لامكان اجتياز quot;خط النارquot; المتمثل بالبند الاول والشروع في بت جدول الاعمال العملاق.
ولا تقف المشهدية الساخرة عند هذا الحد. ففي مقابل التسعة آلاف ملف هناك بند يحشر البلاد عند مفترق quot;القاتل او المقتولquot; وquot;السلم او الحربquot; وquot;الاستقرار او الانهيارquot; وquot;القبل والبعدquot; هو ملف quot;شهود الزورquot;. هذا البند هو في الواقع الحسي الملموس كما في الواقع القانوني والقضائي، لا يزال تحت تصنيف quot;اللاورقةquot;، (Nonpaper) لانه لم يصبح بعد ملفا بمكونات قانونية جادة على رغم العاصفة السياسية والكلامية وحتى النبرة التهديدية والتهويلية التي يفجرها في البلاد.
اذاً، ثمة تسعة آلاف ملف في جهة وquot;لا ورقةquot; في جهة مقابلة، ولا عبور الى ملفات الناس والدولة والعباد والمؤسسات والخدمات والمآسي والمعاناة وكل ما يمت بصلة الى مجموع القضايا الحقيقية للبنانيين في سائر المناطق ومن مختلف الطوائف والمذاهب والفئات والطبقات ومعها سائر قضايا الدولة ومؤسساتها واجهزتها وواجباتها ومسؤولياتها ما لم يحصل المطلوب القسري بقوة ميزان القوى القهري وهو اخضاع مجلس الوزراء لسطوة موقف بات اسير عدم التراجع عن خطوة عقيمة لفرط ما ضخ فيه اصحابه من عوامل التشدد والتصلب والاستقواء والتعطيل.
والحال ان هذه الحقيقة لم تعد مرتبطة بميزان القوى واستعماله في فضّ النزاعات خارج كل منطق دستوري فحسب، بل انها تسلط الضوء على جانب quot;اخلاقيquot; في السياسة بكل المعايير.
هذا المعيار الاخلاقي يحرم حرمانا قاطعا القبول بعدالة ظالمة بطبيعة الحال، ولذا من نافل الخلاصات البديهية الا يقبل اي لبناني بقرار ظني ظالم. ولكن ما ذنب الناس ليعاقبوا سلفا بجريرة الظن بقرار ظني حتى مع افتراض جنوحه الى الظلم؟
هذه الظاهرة في تعطيل الدولة ومصالح الناس وتعليق مصير لبنان غالبا على بند واحد وحيد، لم تعد مجرد quot;تقويم كلامquot; وتحكيم موقف آحادي لقوى 8 آذار، بل هي تتصل بسليقة سياسية شديدة الخطورة بات التعطيل نمطا ثابتا ومنهجيا في ادائها الى حد استهانتها بمصالح الناس فيما هي تزعم تمثيل النزعة الى التغيير والالتصاق بالشرائح الشعبية. ولا ندري كيف توفق القوى صاحبة هذا النمط بين هذا الزعم والاحتقار الحقيقي لمصالح الناس حين تتجاهل تماما كل ما ينجم عن تماديها في التعطيل وتمترسها وراء quot;اللاورقةquot; هذه التي اضحت اشبه بذريعة لدفع البلاد الى متاهة تفجيرية. ولعل ما يثير الخشية في quot;تطورquot; هذا النمط هو ان اصحابه لا يقيمون ادنى اعتبار للفصل بين مصالح الناس والصراع السياسي، فيغدو مجموع اللبنانيين في هذه الحال quot;الاصابعquot; التي يجري العض عليها في السلم والحرب سواء بسواء.
التعليقات