احمد عياش
سنوات بعد العام ألفين، كان قسم واسع من القيادات اللبنانية يصطف على مدرج quot;مطار رفيق الحريري الدوليquot; لاستقبال الاسرى العائدين من سجون الاحتلال الاسرائيلي. وبالتالي لم يكن quot;حزب اللهquot; وحده من يستقبلهم مع انه صاحب المناسبة وأمها وأبوها. أما يوم امس فكان الحزب وحيداً رغم بعض الرتوش في استقبال المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد العائد من باريس والذي لم يدخل يوماً سجناً للاحتلال الاسرائيلي، وانما فقط سجن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005.
فارق مهم جداً بين أعوام كان فيها quot;حزب اللهquot; المقاوم للاحتلال الاسرائيلي وواقع بدأ قبل خمسة أعوام برز فيه الحزب كمقاوم عنيد لتحول لبنان دولة مستقلة تتمتع بكل المواصفات التي تتيح لها ان تحكم نفسها بنفسها. وأحدث مثال على ما انتهى اليه أمر الحزب قول أحد نوابه في الاجتماع الاخير للجنة المال والموازنة ان مفعول فترة السماح للمحكمة الدولية الذي بدأ بعد جريمة 14 شباط 2005 ينتهي في أيلول الحالي، وللمصادفة فإن اسرائيل تقول في مفاوضات التسوية التي بدأت هذا الشهر مع الفلسطينيين ان مفعول فترة تجميد الاستيطان اليهودي ينتهي في 26 ايلول الجاري، وإذا كان الفلسطينيون يجدون أن صدقية المفاوض الاسرائيلي تكمن في تجميد الاستيطان وانهائه فإن الاكثرية من اللبنانيين تجد في المحكمة الدولية ملاذا لمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء الذين سقطوا معه وبعده. ولذلك، ومن منطق هذه المصادفة يمكن القول ان السلام في قضية فلسطين وتالياً في المنطقة مرتبط بعودة اسرائيل الى حظيرة القانون الدولي الذي يدين الاستيطان في أرض فلسطين. كما ان السلام في قضية لبنان مرتبط بالمحكمة الدولية التي ستدين قتلة رفيق الحريري وسائر الشهداء.
ما يفعله quot;حزب اللهquot; اليوم في مواجهة العدالة الدولية كمن يسبح عكس التيار الذي يجسد حركة الزمن حاضراً ومستقبلاً. تستطيع المخيلة ان تبتدع اعذاراً وسيناريوات لرمي هذه العدالة بشتى النعوت. لكن من يراقب المشهد في لبنان والعالم، يجد ان quot;حزب اللهquot; ومعه حكام طهران وحيدون في وصف المحكمة الدولية بأنها اسرائيلية - اميركية. حتى ان دمشق التي لم تتخلَّ عن تحالفها مع طهران ورعايتها للحزب وقامت امس بواجبات الضيافة للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لا تتبنى هذا الوصف. وللمصادفة ايضاً فإن الجنرال السابق المحتفى به من quot;حزب اللهquot; كان عائداً امس من مهمة طلب حقوقه من المحكمة التي يصفها الحزب بأنها اسرائيلية - اميركية.
سمعت من الصديق نقيب المحامين السابق في الشمال الاستاذ رشيد درباس حكاية جديرة بالاهتمام بعد الابتسام. وهي تقول ان قريباً له أيام الانتداب الانكليزي في فلسطين وأقطار عربية أخرى في النصف الاول من القرن العشرين، راهن ضباطاً انكليزاً أنه يستطيع أن يجعل الصيصان ترقص على وقع الطبلة، وكان شرط النجاح في الرهان عشر جنيهات استرلينية. قبل الضباط الرهان، وما ان بدأ اللبناني ينقر الطبلة حتى بدأت الصيصان تتمايل. وبعد الفوز في الرهان، حاول الضباط quot;ترقيصquot; الصيصان فلم ينجحوا. وحاولوا الحصول على السبب فكان الثمن 20 جنيهاً استرلينياً. وبعدما دفعوه علموا من اللبناني انه لجأ أولاً الى وضع الصيصان فوق صاج ترتفع حرارته تدريجياً، وفي الوقت نفسه كان صوت الطبلة يرافق هذا التسخين المتدرج للصاج. ومع الزمن اصبح صوت الطبلة، كما في نظرية العالم الروسي الشهير بافلوف حول رد الفعل اللاإرادي، يُشعر الصيصان بأنهم يقفون فوق صاج ساخن لا بد من التحرك على سطحه كي لا تحترق قوائمها، وقد تذكر اللبنانيون حيال الطبلة التي كان quot;حزب اللهquot; ينقر عليها امس في المطار 7 أيار 2008 عندما أدى قرار حكومي باقالة القائد السابق لجهاز أمن المطار العميد وفيق شقير الى اجتياح الحزب بيروت عسكرياً. لكنهم لم يرقصوا امس والسبب انهم اعتادوا منذ جريمة 14 شباط 2005 ان ينتفضوا. فأصوات ذلك الزلزال علمتهم كيف يصنعون 14 آذار 2005 الذي ضاعت في هديره ولا تزال كل أصوات الطبول على أنواعها.
التعليقات