وليد شقير


الأرجح أن لبنان سيبقى يتأرجح، في الأشهر المقبلة، بين هبّة باردة وهبّة ساخنة، وسيبقى اللبنانيون واضعين أيديهم على قلوبهم، من هذه التقلبات التي يخضعون لها في المشهد السياسي اليومي، تارة تهدئة وأخرى تصعيداً، في الخطاب السياسي.

ومع أن الكثير من القادة اللبنانيين المعنيين بخطوات الانفتاح التي حصلت خلال السنة الماضية، أخذوا يمنّنون أنفسهم، واللبنانيين معهم، بأنها أتت أو ستأتي لهم بالاستقرار، فإن الأسابيع القليلة الماضية من التأرجح، لا تدل الا على شيء واحد، هو اللااستقرار.

ويبدو أن التفاهم السعودي ndash; السوري متبوعاً باجتماع القمة السعودي ndash; السوري ndash; اللبناني في 30 تموز (يوليو) الماضي الذي أرسى معادلة laquo;الاستقرار خط أحمرraquo;، وبقاء الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري كضرورة، مقابل العمل على تأجيل صدور القرار الظني عن الادعاء الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على أساس بقاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، هو تفاهم ناقص. فبقدر ما ان ايران ليست جزءاً من هذا التفاهم، فيما ترى أن النفوذ الكبير الذي اكتسبته في البلد الفسيفسائي خلال السنوات الماضية يوجب حضورها في أي تسوية على قضاياه، فإن الدول الكبرى التي عوّل عليها البعض للمساعدة في تأجيل القرار الظني، ليست في هذا الوارد، حتى إشعار آخر.

ومع أن فريقاً من اللبنانيين يتهم الفريق الآخر بعدم laquo;تثميرraquo; المظلة السعودية ndash; السورية وأنه بذلك يسعى الى laquo;تدميرraquo; الفرصة التي يوفرها، فإن laquo;الفريق الآخرraquo; يتحرك بلا حرج خارج هذه المظلة لأن لديه مظلته الخاصة به. وهذا ما يجعل تفاهم laquo;سين ndash; سينraquo; كما يصفه رئيس البرلمان نبيه بري متواضع الأهداف والنتائج الخاضعة للأسئلة حول مدى فعاليتها أيضاً، أي أن يصمد عند عملية إدارة هذا laquo;اللااستقرارraquo; بحيث لا يؤدي الى الانفجار، بدلاً من الاتكاء عليه لجلب الاستقرار. إنه تواضع يفرضه واقع الحال.

الأيام الماضية أعادت الأمور الى المربع الأول، كما شهدت على ذلك المواقف اللبنانية الملتهبة وأثبتت واقعاً يصعب التعامي عنه. فلبنان ما زال يعيش ارتدادات ذلك الزلزال الذي ضربه باغتيال الرئيس رفيق الحريري وما زال يشهد تجاذبات وانقسامات ذلك الوضع السياسي المعقّد الذي فجره التمديد القسري لعهد الرئيس السابق إميل لحود والذي اختزل في حينه كل القهر الذي لحق بطوائف وقوى سياسية واجتماعية على مدى سنوات، والذي جلب التدخل الدولي عبر القرار الرقم 1559. وليس استحضار بعض الوجوه التي تختزن الحقد والتسلط ممن يتوهمون القدرة على الخداع، وليس الحديث عن إلغاء مرحلة ما بعد الاغتيال ومفاعيله السياسية في السلطة والمؤسسات والتهديد بمحاسبة من مثلوا تلك المرحلة، الا محاولة لإلغاء ذاكرة اللبنانيين. ولا بد لهذا الأمر من أن يستفزهم ويستنفر مشاعرهم بدلاً من أن يبردها، لأنه يذكرهم بتلك الأيام القليلة التي تبعت الجريمة حين كان بعض رموز النظام السابق يعتقد في حينه أن جمهور رفيق الحريري سيحزن عليه أسبوعاً وينتهي الأمر ليعود الواقع الى ما كان عليه. وهذا ما ضاعف استنفار المشاعر آنذاك. وهو أيقظها الآن. فالبعض يتصرف على أن الحريري لم يُقتل، أو يرفض التداعيات السياسية للجريمة كما لو أنها لم تكن سياسية ويريد إزاحة ضريحه من ضمن الوهم بإمكان ازالة تلك التداعيات. وأوحى كل ذلك بأن التسوية التي يفترض أن تقود اليها التفاهمات الإقليمية على اغتيال الحريري، بموازاة عمل المحكمة الدولية وبصرف النظر عما سيصدر عنها، يريدها البعض على أساس أن لا اغتيال قد حصل. وهذا حكماً ليس تسوية.

لقد أبدى أولياء الدم عبر المواقف الأخيرة التي اتخذها الحريري الابن الاستعداد لهذه التسوية. على الأقل هكذا فُهمت خطواته على مدى الأشهر الماضية، لأن هناك أمثلة كثيرة على حصول تسويات في قضايا شبيهة توجبها الظروف السياسية. وهذا يتطلب حكماً تضحية كبيرة وواقعية تتغلب على الذات. لكن اذا كان هناك انكار لوجود قضية، أصلاً، فمع من تُعقد التسوية، طالما أن ليس هناك من طرف آخر يبدي الاستعداد للإقبال عليها؟ ثمة فرق بين أن يتفوق الحريري على ذاته ويلغي مشاعره وبين أن يلغي ذاته فنصبح أمام اغتيال سياسي.