يوسف الكويليت
المحكمة الدولية في قضية قتل رفيق الحريري، هناك طرف يراها محايدة، لأن قضاتها لا ينتمون إلى أي من الفصيلين، وبالتالي فهي نزيهة لا يلحقها أي اتهام أو شك، بينما الموقف المعارض يراها مسيّسة لإسرائيل وأمريكا، ولهما أصابع داخلها، بدليل أن تسريب إشارات لأحكامها لبعض اللبنانيين، ينزع عنها صفة الحيادية، وداخل هذا الجدل بدأت صورة لبنان تنذر بمخاطر الانقسامات، وربما العودة لحالات التوتر الساخن..
عوامل التفجير في هذا البلد قد تحدث لسبب عادي، فما بالك بأحكام دولية تنال عناصر من حزب الله أو بقية الأطراف الأخرى، إذا كانت حالة الجميع قلقة ومتشكّكة ببعضها، وتحلّق على مسافات منخفضة لأي تفاهم على وطن للجميع تحكمه دساتير وقوانين يتساوى فيها الحزب والطائفة والعرق، غير أنه ينفرد عن غيره، بأن المؤهل والمثقف لا يربطهما ببلدهما إلا جواز السفر، ولذلك نجدهما الأكبر في تعداد المهاجرين منذ قرنين في كل دول العالم، هذا عدا من هجّرتهم الحرب الأهلية، مما يعني فقدانه الطاقات البشرية المدربة، وهروب الأموال، وفي الحالة الراهنة، ربما تجري مواجهات كبيرة، بين الحلفاء الفرقاء، ويبقى حزب الله هو الجبهة القوية والمتماسكة، وصاحب التجارب الناجحة في حروبه مع إسرائيل، ومن هذا السبب، سبق أن تحدث بأنه لا يقبل أي حكم لا يتطابق مع نظرته ، ويحقق مصلحته..
المحكمة الدولية قد لا يعنيها من يغضب أو من يرضى عن قراراتها إذا ما اعتمدت على القرائن والحقائق، ومسألة التنفيذ والملاحقة القانونية تظل شأناً لبنانياً، وهنا سيكون المأزق كبيراً إذا ما تعارضت الإرادات، وتحولت، إما إلى صفقات وترضيات من خلال تنازلات يراها الجميع الموقف الصحيح عما ستتركه تداعيات الأحكام، أو القبول بالواقع، لأن الجريمة حدثت ، ولابد للرأي العام أن يرى الحقيقة، كما هي، غير أن ذلك كله سيجعل الأمر أكثر تعقيداً أو إضافة أزمة أخرى إلى الأزمات النائمة..
ما هو المخرج؟ هنا يصعب التكهن بما سيحدث، إذا كان صاحب الحق يصرّ على حقه، وأن المعني في القضية ليس عائلة الحريري ومن ينتمون لها، لأن الجريمة جاءت على رئيس وزراء دولة، ولذلك لم يعد الحق خاصاً بل عاماً، لكن القبول بمثل هذا الأمر لا يخضع للعقل، إذا كان اللبنانيون أنفسهم تحولوا بعد الحرب الأهلية خارج مواقع الاتهام حتى إن القتلة احتلوا مواقع رئيسية في الأحزاب المعارضة أو داخل الحكومة، والحريري قد يعتبر ضحية تداعيات ما بعد تلك الحرب وذيولها، وبالتالي إذا كان من المستحيل إسقاط الأحكام الصادرة، فليكن التحفظ عليها وحفظها تجنباً لما هو أسوأ، وهو احتمال قد يحدث، خاصة في وقت اختلت موازين القوة بين الطوائف ليصبح الشيعة الذين ظلوا مغيَّبين إلى أن نمت قوتهم، وبات نفوذهم الأكبر، هم القوة المتفردة..
التعليقات