مالك التريكي

اختارت مجلة تايم منح لقب شخصية العام 2010 للشاب الأمريكي مايكل زوكربرغ منشىء شبكة الاتصال الاجتماعي فيسبوك.
اختيار معقول. لكنه مناف لرغبة أغلبية القراء الذين صوتوا، على موقع المجلة، بمنح اللقب لجوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس.
اختيار معقول لأن له مسوغات كثيرة. لكن هذه المسوغات ليست وليدة 2010، بل هي قائمة منذ بضعة أعوام. ذلك أن الثورة التي أحدثها زوكربرغ منذ 2004 (مع مجموعة من زملاء الدراسة في جامعة هارفرد كانوا شركاءه في المشروع الأصلي) في مجال الاتصال الاجتماعي هي 'ثورة دائمة' (بالإذن من تروتسكي) ومفتوحة على الزمن العالمي. الأمر الذي يعني أنه كان يمكن منح زوكربرغ هذا اللقب قبل عامين أو ثلاثة، أو بعد عامين أو ثلاثة، لا فرق. أما الانطباع الحاصل الآن فهو أن اللقب لم يمنح لزوكربرغ إلا لسد الطريق على جوليان أسانج. وإلا فهل تحتاج المسألة إلى طول تفكير؟ أليس أسانج هو الشخص الذي تفرد هذا العام بإحداث زلزال عالمي أصبح حدا فاصلا في التحقيب الإعلامي والدبلوماسي؟
ليس من المعقول بالنسبة لأي مواطن في هذه 'القرية الكونية' -قرية الوصل المتواصل والاعتماد المتبادل- أن يتجاهل الدلالة التاريخية والقيمة التنويرية لما أنجزه أسانج. فالقاعدة العامة في الغرب أن الوثائق الحكومية لا تكشف رسميا ولا تتاح للباحثين إلا بعد أن يمضي عليها ثلاثون عاما على الأقل، حيث أن 'أحدث' وثائق وزارة الخارجية الأمريكية المتاحة رسميا الآن إنما تعود إلى عام... 1972! كما أن تسجيلات أحاديث الرئيس نيكسون، التي تعود إلى عام 1973، لم تتح للجمهور إلا الأسبوع الماضي (حيث ثبت، مثلا، أن ما كان ينسب إلى نيكسون من معاداة السامية ليس صحيحا، فقد تبين أن اليهود الذين كان يعدّهم 'عدوانيين' هم اليهود الأمريكان، أما اليهود الإسرائيليون فقد كان معجبا بهم!). أما أسانج فقد نشر في غضون أيام ما كان سيظل مطويا طيلة عشرات الأعوام، فأسس بذلك لمشروعية بروز سلطة خامسة لم تكن متاحة قبل عصر الانترنت -سلطة الهتك الإعلامي لأسرار النفاق الرسمي.
إلا أنه يبقى رغم كل هذا أن الكاتب الفرنسي جان دانيال قد يكون محقّا في ما ذهب إليه من أن شخصية هذا العام هو... نتنياهو. ويشرح جان دانيال رأيه على هذا النحو: 'لقد أثبت رئيس حكومة هذه الدولة الصغيرة أنه قادر لوحده على القضاء على جميع أحلام ومطامح الرئيس، ذي الشعبية الكبيرة، لأقوى أمة في العالم (...) فبعد أن كان ضعيفا وحيدا وأعزل وبعد أن تعرض لإدانة مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، راهن بنجاح على الخوف من إيران، وعلى دعم كبريات المنظمات اليهودية الأمريكية، وعلى فوز الحزب الجمهوري وعلى الأزمة المالية. في كل معركة من معاركه عرف كيف يحجم ثم كيف يقدم. إذا لم ينجح سعيه لزيارة البيت الأبيض يوما، التمس منه يوما آخر أن يقابل الرئيس على انفراد. لقد استهان بمساعي توني بلير، الذي انتهى به الأمر إلى التعود على هذه المعاملة، وتجاهل مناشدات أكبر أصدقاء إسرائيل، بدءا بهنري كيسنجر. وتراجع عن كل التعهدات التي قدمها، خاصة لهيلاري كلنتون، بشأن تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وفي الأخير استسلمت الولايات المتحدة. ونشرت وزارة الخارجية هذا البيان المفجع: 'لقد تخلت الولايات المتحدة عن فكرة الحصول على تجميد للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية'.
ويقول دانيال إن نتنياهو أثبت قدرة فائقة في فن إحراج حليفه الأمريكي عندما أثار مسألة احتمال أن تقوم إسرائيل، من منطلق الواجب، بقصف عدد من المواقع النووية في إيران. ويضيف 'وها إننا نعرف الآن أن الإسرائيليين يمكن أن يعولوا، في مثل هذه العملية، على موافقة السعودية وكثير من الدول العربية الأخرى. لقد بلغ الأمر حد أن يفلح نتنياهو في إحباط جميع محاولات الولايات المتحدة الرامية لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل'. ثم يختم قائلا إن نتنياهو، 'بالنسبة لملايين من الأشخاص، ونحن منهم، هو بلا شك رجل العام ولكنه أيضا رجل رزايا' هذا العام وبلاياه.
لكن رغم كل هذا، فمن غير المحتمل أن يتجرأ أوباما على مجرد الاسرار لخاصته بمثلما فعل بيل كلينتون في منتصف التسعينيات عندما قال إننا نبذل كل هذا الدعم لإسرائيل، ومع ذلك فإن نتنياهو 'يظن أنه يسدي لنا معروفا...'.