عثمان ميرغني

وصف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقال بصحيفة laquo;هآرتسraquo; نشر في 15 يوليو (تموز) الحالي، بنيامين نتنياهو بالمحتال والنصاب والمخادع.

لماذا؟

لأن شريط فيديو صور سرا قبل سنوات وبث لأول مرة على القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أيام أظهر نتنياهو على حقيقته وهو يتحدث عن السلام والفلسطينيين وأميركا، إلى درجة جعلت كاتب المقال المذكور يقول إن كلام نتنياهو laquo;مثير للكآبة ويثبت كل مخاوفنا وشكوكنا في أن حكومة إسرائيل يقودها رجل لا يصدق الفلسطينيين ولا يؤمن بفرصة اتفاق معهم، ويعتقد أن واشنطن في جيبه الصغيرraquo;.

ففي شريط الفيديو يتحدث نتنياهو متباهيا بأنه نجح في تقويض عملية أوسلو للسلام عندما كان رئيسا للوزراء في المرة الأولى، ويقول laquo;ذهبت في تفسير الاتفاقيات بالطريقة التي تسمح لي بوضع نهاية لها وللركض نحو حدود 1967raquo;. ثم يمضي في الحديث لتناول رؤيته لكيفية التعامل مع الفلسطينيين قائلا laquo;الأمر الأساسي قبل كل شيء هو ضربهم. ليس ضربة واحدة وإنما ضربات مؤلمة إلى حد أن الثمن سيكون أشد من القدرة على التحملraquo;.

أما عن نظرته للولايات المتحدة، فلا بد أن تصيب إدارة أوباما بالإحباط خصوصا أن الرئيس الأميركي قال في التصريحات الصحافية التي أدلى بها خلال استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الشهر laquo;إنني أعتقد أن رئيس الوزراء نتنياهو يريد السلام، وأعتقد أنه مستعد للمخاطرة من أجل السلامraquo;. فأوباما لو كان سمع كلام نتنياهو في شريط الفيديو لربما تردد في الإدلاء بمثل هذا التصريح.

يقول نتنياهو في التسجيل laquo;إنني أعرف ما هي أميركا... أميركا شيء يمكنك تحريكه بسهولة شديدة، ويمكن تحريكه في الاتجاه الصحيح. ولن يقفوا في طريقناraquo;.

وربما بهذه العقلية التقى نتنياهو مع أوباما، laquo;لتحريكه في الاتجاه الصحيحraquo; الذي يسمح له بتقويض مساعي السلام ومواصلة سياسة الاستيطان وربما بتوجيه laquo;ضربات مؤلمةraquo; للفلسطينيين. ونتنياهو الذي وصف الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأنه laquo;موالٍ للفلسطينيين براديكاليةraquo;، لا يمكن تخيل الطريقة التي ينظر بها إلى باراك حسين أوباما.

قد يقول قائل إن الشريط الذي بثته القناة العاشرة الإسرائيلية يعود إلى عام 2001 وإن الرجل ربما غير بعض قناعاته أو سياساته، وإن كثيرا من السياسيين يقولون كلاما يرجعون عنه لاحقا لأن الظروف تتغير. لكن من يقول بذلك عليه أن يتذكر أن هذا هو الرجل الذي اختلف حتى مع أرييل شارون واستقال من الحكومة احتجاجا على الانسحاب من غزة (كان وزيرا للمالية بين عامي 2003 - 2005)، وأن سياساته ومواقفه المتطرفة تعكس قناعاته القوية لا مناوراته الظرفية، فهو ترعرع على مفهوم إسرائيل الكبرى ولم يتخل عنه. بل إن الوقائع تشير إلى أن نتنياهو نسخة عام 2010 لا يختلف عن نسخة 2005، بل ربما أصبح أشد تطرفا من نسخة التسعينات عندما أصبح رئيسا للوزراء للمرة الأولى بين أعوام 1996 - 1999.

فهو عندما يطالب بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين اليوم يحدد نتائجها قبل أن تبدأ، إذ يتمسك بمواصلة التوسع الاستيطاني، ويريد من الفلسطينيين والعرب الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وبالقدس عاصمة أبدية موحدة لها. وعندما يتحدث عن دولة فلسطينية فهو لا يعني دولة حقيقية، بل يطالب بأن تكون بلا جيش ومن دون سيطرة على حدودها أو مياهها أو أجوائها. كما يرفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين ويعتبر الانسحاب الأحادي أو غير المشروط من غزة غلطة يجب ألا تقع إسرائيل في مثلها مرة أخرى.

هذا هو نتنياهو الحقيقي، ولم يتغير شيء من تطرفه بين عام 2001 عندما سجل الفيديو الذي عرضه التلفزيون الإسرائيلي، وبين عام 2009 عندما عاد إلى موقع رئاسة الوزراء مرة أخرى. ولأنه يرى أن laquo;أميركا شيء يمكن تحريكه بسهولةraquo;، فإنه يتعمد معها المراوغة والتحايل بهدف كسب الوقت وإحباط مساعي السلام التي لا تتماشى مع رؤيته وشروطه، ولا يبالي في ذلك بإغضابها مثلما حدث مع إدارة كلينتون السابقة أو مع إدارة أوباما اليوم. وقد تناول كتاب إسرائيليون كيف أنه قدم نفسه لأوباما خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض كرجل مرن يريد تحقيق السلام ومستعد للمخاطرة في سبيله، لكنه ما إن استقل الطائرة عائدا إلى إسرائيل حتى تقمص شخصيته الأخرى laquo;بيبي المتطرفraquo;.

إن نتنياهو يختلف عن إسحاق رابين وعن مناحم بيغن وأرييل شارون في أنه يريد التحرك في موضوع السلام laquo;بالاحتيال واللعب بأميركا وخداع الفلسطينيينraquo;، كما قال جدعون ليفي، ومثله كتاب آخرون في إسرائيل يرون فيه شخصية مراوغة بطبعها ومتغطرسة في أسلوبها. ولا شك أن رجلا كهذا سيتمادى في ألاعيبه عندما ينظر إلى الصورة أمامه فلا يرى سوى الصف الفلسطيني الممزق والموقف العربي الواهن. وسيكون خطأ كبيرا أن يقبل الفلسطينيون بالعودة إلى المفاوضات المباشرة من دون ضمانات خطية مكتوبة وواضحة. لأن ذلك سيعني - كما قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عقب لقائه المبعوث الأميركي جورج ميتشل هذا الأسبوع - laquo;أن نقع في الخطأ نفسه مرة أخرىraquo;. لكن الأهم من كل ذلك أن يدرك الفلسطينيون أن عليهم إنهاء خلافاتهم وتوحيد صفوفهم لتمتين موقفهم في مواجهة رجل يصفونه في إسرائيل بالمحتال.