وحيد عبدالمجيد

كان إلغاء الخلافة أحد أهم العوامل التي أضعفت تيار الاصلاح الدنيي أو التجديد الفكري الإسلامي الذي وضع الإمام محمد عبده أسسه في أواخر القرن التاسع عشر وحتي رحيله عامrlm;1905,rlm;

أحدث إلغاء الخلافة هزة عميقة دعمت الميل الي الجمود والمحافظة علي القديم خوفا من التجديد في لحظة بدا الإسلام فيها مهدداrlm;,rlm; أو هكذا خيل إلي من خلطوا بين الدين والسلطة التي استخدمته من ناحيةrlm;,rlm; وبين الاصلاح الديني والتغريب الذي اقترن بغزو استعماري من ناحية ثانيةrlm;.rlm;
ومنذ ذلك الوقتrlm;,rlm; ظلت الخلافة مسألة مركزية في العقل الإسلامي الأصولي باتجاهاته المتباينة بغض النظر عن حجم اهتمامه العام بهاrlm;,rlm; فباستثناء أدبيات ومواقف حزب التحرير الإسلاميrlm;,rlm; الذي ظهر في الأردن عامrlm;1950,rlm; الا يتسني العثور علي كلمة خلافة في الخطابات السياسية والإعلامية للحركات الإسلامية إلا بشق الأنفسrlm;,rlm; واذا سألت قياديين في هذه الحركات سياسية كانت أو سلفية عن الخلافة أجابوا بأنها ليست علي جدول أعمالهمrlm;,rlm; وهم صادقون في ذلك غير كاذبينrlm;,rlm; فقد تكون الخلافة خارج نطاق أولوياتهمrlm;,rlm; وهي كذلك فعلاrlm;,rlm; ولكنها ليست بعيدة عن منهج وطريقة تفكيرهم في حاضر الأمة ومستقبلهاrlm;.rlm;
فالخلافة كامنة في الوعي الإسلامي الأصولي السياسي والديني علي حد سواءrlm;,rlm; ولكنها في مكمنها هذاrlm;,rlm; ليست عرضة للتراجع أو الانحسارrlm;,rlm; فهي لديهم أقوي من أن يتجاوزها الزمنrlm;,rlm; لأنها ترتبط بمنهج شامل غير قابل للتجزئة إلا عبر قبول أصحابه التمييز بين الدولة والدين بحيث يكون لكل منها مجاله المستقل أو علي الأقل غير المتداخل مع الآخرrlm;.rlm;
وليس هناك دليل علي قوة فكرة الخلافة في خلفية الحركات الإسلامية المعاصرة من فشل الاجتهادات التي سعت الي حصرها في المجال السياسي وتفريغها من محتواها الديني بأمل نزع القداسة عنهاrlm;,rlm; وكان أهم هذه الاجتهاداتrlm;,rlm; ذلك الذي ذهب الي تكييف الخلافة باعتبارها ولاية عامة سياسية وإدارية من النوع الذي يتولاه رئيس دولة أو ملك عليهاrlm;,rlm; وإعادة صوغ مفهوم الخليفة باعتباره وكيلا عن الأمة وليس نائبا عن رسول الإسلام صلي الله عليه وسلمrlm;.rlm;
وكان الأستاذ صلاح عيسي قد أعادrlm;,rlm; في دراسة مهمة كتبها عن الخلافة وسلطة الأمةrlm;,rlm; أصل هذا الاجتهاد الي تقرير أعده فريق من علماء الإسلام الأتراك عامrlm;1923,rlm; ولكن هذا الاجتهاد افتقد المصداقية لأنه صدر في ظل اتجاه السلطة الجديدة في تركيا حينئذ إلي إلغاء الخلافةrlm;.rlm;
وعندما تبني الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم اجتهادا آخر مفاده أنه لا أصل لنظام الخلافة في ثوابت الإسلام التي لاتتوقف علي هذا النظام ولا علي من يطلق عليهم خلفاءrlm;,rlm; قامت عليه الدنيا ولم تقعد في مصر وبلاد إسلامية أخريrlm;,rlm; لأن ماطرحه اصطدام بما كان سائدا وصدمهrlm;.rlm;
فالثابت أن الخلافة علي امتداد تاريخ الدولة الإسلامية جمعت السلطتين الدينية والزمنيةrlm;,rlm; فالخلافةrlm;,rlm; معني ومبنيrlm;,rlm; هي الإمامة في أمور الدين والدنياrlm;..rlm; في إقامة القوانين الشرعية وحفظ حوزة الملة علي وجه يجب اتباعه علي كافة الأمة كما وصفها البيطاوي مثلا وهيrlm;,rlm; عند ابن خلدونrlm;,rlm; حمل الكافة علي مقتضي النظر الشرعي في مصالحهم الأخرويةrlm;,rlm; والدنيوية الراجعة إليهاrlm;,rlm; إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع الي اعتبارها بمصالح الآخرةrlm;,rlm; فهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا بهrlm;.rlm;
وقد قامت الخلافةrlm;,rlm; أصلاrlm;,rlm; علي ضرورة أن يكون هناك من يقوم علي حفظ الدين وسياسة الدنيا بهrlm;,rlm; فكان الخليفة بالفعل هو خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلامrlm;,rlm; وهذا ثابت من اعتراض الخليفة الأول أبوبكر الصديق علي من أسموه خليفة الله قائلاrlm;:rlm; لست خليفة الله ولكن خليفة رسول اللهrlm;).rlm;
أما القول بأن الخليفة كان وكيلا عن الأمةrlm;,rlm; وليس خليفة للرسول صلي الله عليه وسلمrlm;,rlm; فلا يمكن ان ينهض علي أساس لأن فكرة الوكالة عن الأمة لم تكن معروفة في ذلك العصرrlm;,rlm; إذ ظهرت بعده بنحو عشرة قرون علي الأقلrlm;,rlm; ومع ذلك كان بعض فقهاء المسلمين سابقين اليها علي استحياء وبشكل هامشي لم يؤثر علي الحالة العامة التي سادت الدولة الإسلامية علي مر عصورهاrlm;.rlm;
وكان طبيعيا أن يجمع الخليفة السلطتين الدينية والزمنيةrlm;,rlm; لأن الفصل بينهما لم يكن قد ظهر في التاريخ بعد فكان للخليفة علي المسلمين الولاية العامة والسلطان الشاملrlm;,rlm; مثلما كان عليه القيام علي دينهم وتنفيذ شريعته واقامة حدودهrlm;.rlm;
ومن الثابت أيضا ان كل ولاية دونه كانت مستمدة منهrlm;,rlm; ولم يكن عليه قيد في كل ذلك إلا الشرعrlm;,rlm; غير أن هذا القيد صار محل نظر بعد أن تحولت الخلافة الي ملك عضوض منذ تأسيس الدولة الأموية دون أن تفقد أسمهاrlm;,rlm; وبالرغم من أن هناك أساسا نظريا ما للقول ان الخلافة تقوم علي البيعة من أهل العقد والحلrlm;(rlm; وهذا يختلف عن الوكالة عن الأمةrlm;),rlm; فالثابت في التاريخ أيضا أنها قامت علي القوة أكثر من أي شيء آخرrlm;.rlm;
والمثل المشهور علي ذلكrlm;,rlm; وهو ليس أكثر من نموذجrlm;,rlm; قصة البيعة ليزيد بن معاويةrlm;,rlm; حين قام أحد الدعاة الي تلك البيعة خطيبا في الحفل فأوجز البيان في بضع كلمات قائلاrlm;:rlm; أمير المؤمنين هذاrlm;,rlm; مشيرا الي معاوية فإن هلك فهذا مشيرا الي يزيدrlm;,rlm; فمن أبي فهذا مشيرا الي سيفهrlm;,rlm; وينطبق ذلك علي الدول والدويلات التي قامت في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي في فترات ضعف الخلافة وإنحسارهاrlm;.rlm;
فالفكرةrlm;,rlm; هناrlm;,rlm; هي أنه علي امتداد تاريخ الخلافة تاريخيا وجغرافياrlm;,rlm; ظل دمج الدين بالدولةrlm;,rlm; قائماrlm;,rlm; أيا كان اسم هذه الدولةrlm;,,rlm; فكانت الخلافة تعبيرا يصف سلسلة طويلة من نظم الحكم التي تعاقبت علي المسلمينrlm;,rlm; ولذلك أصاب من ذهبوا الي أن الجدل حول الخلافة خلط بين أمور كثيرةrlm;,rlm; ولكن ما لاينبغي خلطه بغيره هو أن الدولة الإسلامية منذ الخلافة الراشدة حتي الخلافة العثمانية كانت دولة دينية اندمج فيها الدين بالسياسةrlm;,rlm; وأن هذا هو مايدفع الي مطالبة الحركات الإسلامية التي تعمل بالسياسةrlm;(rlm; حركات الإسلام السياسيrlm;)rlm; لإجلاء موقفها تجاه قضية الخلافة في إطارماتسميه الدولة المدنية ذات المرجعية الدينيةrlm;,rlm; فليس ممكنا البدء في نقاش ما إذا كانت دولتهم هذه مدنية حقا إلا إذا ثبت ان نظام الخلافة عندهم صار جزءا من تاريخ المسلمين وليس من مستقبلهم