سيد أحمد الخضر

الإكوادور والبرازيل وبوليفيا وحتى فنزويلا لن تغير مسار الأمور ولن تنصف شعباً ظلمه القريب قبل البعيد.. مع احترامي الشديد لدول أميركا اللاتينية فإنها بعيدة جدا عن التأثير في الملفات الدولية الحساسة، ولا يضيف التبشير بدعم قيم التحرر من هناك أكثر من الحنين إلى نهج بات من التاريخ، فالعالم الآن يسير في فلك واحد.. في الفلك الأميركي حيث نهاية التاريخ والإنسان الأخير والاقتصاد الأخير..
الولايات المتحدة الأميركية، مع عميق الأسف، ما تزال تتربع على عرش العالم وتتحكم في السياسة والاقتصاد.. تسير معها أوروبا وخلفها يلهث العالمان العربي والإسلامي.. ليس هناك ند ولا شريك للولايات المتحدة فروسيا والصين مثلاً حسبُهما السلامة من واشنطن التي تملك مفاتيح العلم وتحرس خزائن المال وتستطيع تدمير المعمورة في طرفة عين..
ولعل خير من يعلم هذه الحقائق الرئيس الفلسطيني محمود عباس فلا أحد يشكك في تميز علاقته بواشنطن وثقته المطلقة في سياساتها، وحتى لا يتوهم البعض أني أسيء لأبي مازن أؤكد هنا أني على يقين من اتساق رؤيته للصراع العربي الفلسطيني مع الرؤية الأميركية إلى حد التماهي.. هذا يجب أن يكون واضحا.
لكن فخامة الرئيس ربما نسي ما كان يدعو إليه من قبل وبات يأمل في تفريج الهمّ بعيدا عن أميركا: عباس يهاتف الرئيس البرازيلي الذي اعترف بفلسطين مستقلة، ويشكر رئيس الإكوادور على خطوة مماثلة، ويجري اتصالات مع رئيس بوليفيا.. بهذا شغلتنا الصحافة الأسابيع الماضية، حيث أراد الرئيس الفلسطيني أن يلفت الانتباه إلى نجاحات دبلوماسية حققتها سلطته، ثم رفع من وتيرة النصر السياسي حيث قرر التوجه إلى الأمم المتحدة لتعترف بفلسطين، وهذا يعني أن عباس توصل إلى أمرين مهمين كان بصدد اكتشافهما، الأول أن إسرائيل ليست جادة بما يكفي لاستحقاقات عملية السلام والثاني أن واشنطن ليست وسيطا محايدا مائة بالمائة. واكتشاف هذين الأمرين أعطى الرئيس بديلاً جديدا، إنها الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعترف بفلسطين وينتهي الصراع إذن بالمقاومة الراقية التي لا تطلق الصواريخ العبثية ولا تتلفظ بكلمة نابية.. وهنا يؤكد الرئيس على تمسك السلطة بقرارات الشرعية الدولية وثقته العميقة في المجتمع الدولي الذي يعتنق قيم الحوار الراقي وينبذ العنف والتطرف.
لكن عباس كان في غمرة الانتصارات الدبلوماسية فذهل عن الحقيقة، وهنا كان على أميركا أن تذكره لأنه حليف مهم وليس من اللائق ترك المهمة لكاتب مغمور مثلي: قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ هوارد بيرمان، إن الولايات المتحدة تؤيد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وستشجب أي محاولة للاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، فـ laquo;السلام يجب أن يكون نتيجة للمفاوضات المباشرة بين الطرفينraquo;، مضيفاً أنه يتوجب على الإدارة الأميركية القيام بحملة دبلوماسية لإقناع دول العالم بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية!
وعندما تدعو واشنطن تؤمّن باريس مباشرة، لذلك أعلنت الخارجية الفرنسية أن باريس لا تزال ترى أن طريق المفاوضات هو أفضل وسيلة لتحقيق هدف إقامة دولة فلسطينية.
ودعت مساعدة المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستين فاج، المجتمع الدولي إلى الإسهام في إنجاح الجهود الأميركية الرامية إلى دفع عملية السلام..
إنه فجر كاذب يا عباس فأميركا اللاتينية كلها ليست ركنا مهما في السياسة العالمية.. وتعويض أميركا وأوروبا بالبرازيل وبوليفيا ستكون نتائجه سخيفة جدا مثل ما كانت نتائج المقاومة السلمية هزيلة هي الأخرى.. طبعا لا أريد تذكيركم بأن الدنيا تؤخذ غلابا وأن الدول لا تدرك بالتمني فتلك مفاهيم يراها الرئيس عبثية، لكني مصرّ على أن استجداء باريس والتوسل إلى واشنطن سيبقى أكثر عائدا من الانتجاع نحو كيتو واستصراخ لاباز.