محمد عيادي

كرست انتخابات 2010 في العالم العربي الوضع السائد، واستمرت مأساته مع انتخابات صورية وديمقراطية كسيحة كرست هيمنة الحزب الواحد والفكر الواحد، ووسعت دائرة laquo;المستقلينraquo; وقلصت حضور المتحزبين وهمشت السياسيين. أثر فيها للمثقفين
انتخابات لا أثر فيها للمثقفين، أشرفت عليها وزارة الداخلية من أولها إلى آخرها في جل الدول العربية التي شهدت الانتخابات خلال العام الذي نودعه اليوم.
وعوض أن تكون الانتخابات بداية لمرحلة جديدة، ونفس جديد يحمل أمل تحسن الأوضاع، تحولت مثلا في مصر لمؤشر على مزيد من الشراسة والإقصاء للآخر المعارض والمخالف، حيث لم يكتف الحزب الوطني بإفراغ مجلس الشعب ( البرلمان) من المعارضة، وتحديدا من نواب جماعة الإخوان بل أعلن في مؤتمره السنوي السابع عزمه على السعي لحظر نشاطها ومحاصرتها من خلال القضاء.
وللأسف تتسبب الانتخابات بشكلها الفلكلوري والبهرجي الخالي من المضمون الديمقراطي الحقيقي، في إحباط المتفائلين بإمكانية التغيير الديمقراطي، ودفع المحبطين أصلا إلى حافة اليأس والقنوط والانضمام لأكبر حزب العالم العربي، حزب اللامبالاة، أو إلى حافة التطرف والتشدد
وهذا كله نتاج حالة من التجريف للحياة السياسية، وقتل ممنهج للسياسية بماهي اهتمام بقضايا الشأن العام أو الحياة العامة، من خلال حصر الناس في سجن ذواتهم واهتاماتهم الشخصية وفقط، والاكتفاء بدور المتفرج على التهريج السياسي والشعارات الجوفاء حول الديمقراطية.
إن ماحصل في العراق- مع ان ظروفه خاصة- من تشكيل الحكومة بعيدا عما تفرضه نتائج الانتخابات ، وولادتها بعملية قيصرية تدخل فيها أطباء من الخارج ، وانتخاب برلمان بالأردن هيمن عليه حزب العشيرة وraquo;المستقلينraquo;، و السيطرة الكاملة للحزب الوطني بمصر على مجلس ،وقبل ذلك هيمنة الحزب الحاكم في تونس على الانتخابات البلدية، تشير بوضوح إلى أن الحلم الديمقراطي مازال بعيد المنال في عموم العالم العربي . ورغم صعوبة التعميم لوجود تفاوت في درجات غياب وحضور الديمقراطية في ذلك العالم، لكن الحالة العامة المهيمنة تبقى محبطة ومؤسفة. ولئن كشفت الانتخابات في البلدان المذكورة خلال سنة 2010 ، أن الجهات المتحكمة في العلمية الانتخابية والقرار السياسي، مخطئة في تركيزها على البعد السياسي الشكلي للديمقراطية وتفصيلها على المقاس، وتنظيمها بعقلية تحكمية في النتائج بعيدا عن كل قواعد الشفافية والنزاهة والتنافس الحر والشريف، فإنها كشفت في الوقت نفسه عن خلل في المجتمع أيضا ، جعله يتقبل هذا الوضع ويساهم في استمراره، ذلك انه قد يحتج عليه لبضع الوقت تم يعود لمباركته والتعايش معه، لأن ثقافة الديمقراطية غائية أساسا في المحاضن الأولى ؛ في الأسرة والحي والمؤسسة التعليمية (مدرسة وجامعة ) والشارع ، بمعنى أنها ليست الهواء الذي يتنفس والمناخ السائد في الفضاءات الخاصة والجزئية -إذا جاز هذا التعبير- بشكل يخلق القابلية بل وإلزامية ديمقراطية الفضاء العام والحياة العامة والمؤسسات التمثيلية (برلمان، مجالس المحافظات.بلديات...).
وللأسف الكبير، فشلت جل الأحزاب العربية على اختلاف مشاربها وألوانها إن لم يكن كلها في خلق هذه القابلية حتى داخل هيئاتها ومؤسساتها وفي علاقاتها قبل المجتمع، لأننا من جهة تعاملنا مع الديمقراطية على أساس أنها حالة فوقية نطالب بها ولسنا ملزمين بها في سلوكنا كأشخاص نعيشها في فضاءاتنا الخاصة داخل الأسر، وداخل الهيئات الحزبية والنقابية و جمعيات المجتمع المدني ، وتعاملنا مع الديمقراطية على أنها قضية سياسية فقط، وليست سلوك حضاري هو بالمحصلة نتاج تربية وثقافة، ومن جهة أخرى لأن النخبة المثقفة قدمت استقالتها و لم تقم بواجبها ودورها التاريخي وتوزعت لفريقين، الاول اختار الاصطفاف مع جوقة الحزب الحاكم والتيار النافذ يقوم بوظيفة الماكياج والدعاية للفلكلور السياسي سعيا وراء المكاسب المادية، والثاني اختار الصمت والانزواء والتفرج على جريمة قتل السياسة و إجهاض الديمقراطية بكثر الكلام عنها والتباكي عليها خطابيا وخنقها عمليا.
والحال ان الاصل كما حصل هذا في الغرب وحتى في العالم العربي في بعض المراحل خلال الخمسينات والستينات وحتى السبيعنات، هو العمل على نشر الوعي السياسي والاجتماعي السليم ولعب دور المحصن في زمن مابعد عولمة الأفكار، وتنبيه أصحاب القرار والحكومات إلى انه لاتقدم اجتماعي ولاتنمية اقتصادية بدون ديمقراطية حقيقية، والعكس صحيح.
وكما يقول المفكر الاقتصادي العربي الشهير سمير أمين، إن الترياق الحقيقي لمعالجة الواقع العربي يكمن في الربط بين الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، أي بناء ديمقراطية بخلفية اجتماعية، وعدم الاكتفاء بقبول قواعد الرأسمالية الغربية.
وقد أثبت الواقع في أكثر من بلد عربي استحالة تحقيق تقدم وسلم اجتماعي بالمقاربة الأمنية والديمقراطية الشكلية، لأن الديمقراطية الحقيقية والتقدم الاجتماعي هي صمام الأمان من الانهيار الاجتماعي، وهذه تونس على سبيل المثال تودع 2010 على إيقاع احتقان اجتماعي أخرج الناس - وبشكل غيرمسبوق في العقدين الأخيرين على الأقل- عن صمتهم ودفعهم للتظاهر بالشارع في ولاية سيدي بوزيد وما جاورها للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.