توجان فيصل
أسلوب السيد أحمد منصور في إدارة برامجه على قناة الجزيرة يشبه تماما أسلوب برنامجquot; مذيعة من جهة أمنية quot; الذي تبثه محطة نايل لايف ، باستثناء ان الأخير برنامج خفيف ساخر يرتب المشهد التمثيلي مع فنانين .
ولكن الجمهور العربي يغض الطرف أو حتى يتوافق مع أسلوب السيد منصور من منطلقين ، أولهما انه جمهور مقهور معتاد على مثل هذا الأسلوب عند التحقيقات الأمنية التي تطال كل مواطن ولو على يد شرطي سير أو بواب دائرة حكومية مدنية .
والثاني نعرفه نحن السياسيون القادمون من صفوف الشعب، وهو ما يسر لنا به المواطن بعد أدائه مهمة التهليل لمسؤول ، عن حلمه بأن يراه يشنق أو يسحل .. والسيد منصور استضاف عددا من هؤلاء المسؤولين ووفر للمشاهد الحد الأدنى من إذاقة هؤلاء المسؤولين quot;نكهة quot; ما يذوقه المواطن على يدهم يوميا.
ولكن السيد منصور لا يخوض بالضرورة معارك الشارع العربي المقهور في كل مرة. فقد تكررت في أكثر من برنامج للسيد منصور، وبما لا يليق بالحقيقة المجردة التي يعترف بها أعداء الأمة الذين كرهوا عبد الناصر واستهدفوه تحديدا لأنه كان مع أمته ، محاولات الإساءة للحقبة الناصرية من تاريخ مصر، مع أنها كانت العصر الذهبي الذي نصب مصر زعيمة للعالم العربي.
وواضح ان السيد منصور يحلم بحكم إسلامي لا يبدو أن إسلاميي مصر، والعالم العربي، نجحوا في التأهل له، فينضم لهم في رجم رموز نجحت في الإمساك بزمام حاضر الأمة واستشرفت مستقبلها.
وما جرى في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج quot; شاهد على العصر quot; الذي يستضيف السيد عبد الكريم النحلاوي، تجاوز كل المسوح حتى من محقق أمني مخابراتي .
فمحقق الجهة الأمنية مطلوب منه أن يصل للحقيقة ، لا أن يحاول وضع كلام على لسان من استدعي رغما عنه للتحقيق ، فكيف إن كان الحديث مع quot; شاهد quot; أتى طوعا ليكون quot; ضيفا quot; في برنامج تلفزيوني .
ولكن التجاوز الأخطر الذي جرى بحق الجيش السوري أن السيد منصور حاول تحديدا كيل تهم أخلاقية من النوع الذي يلقيه الإسلاميون عادة على خصومهم أو منافسيهم .
فهو أولا حاول تصوير ضباط الجيش على أنهم quot;قمرتجيةquot;، مما نفاه الشاهد قائلا أنهم كانوا يلعبون الورق للتسلية لطول ساعات الإقامة في المعسكر.. وهو ما يحدث في كل المعسكرات، بل وفي البيوت المحترمة قبل انتشار التلفاز.
ومن بعدها في قول السيد منصور أن quot; الضباط اجتمعوا يوم 11 يناير ، سهروا شربوا سلطنوا دماغهم زي ما بيقولوا ، وخدوا طيارة وطلعوا على مصر quot; !! أي أنه- حسب رواية السيد منصور- الوحدة تمت نتيجة قيام أربعة عشر سكرانا quot;مسلطنينquot; بأخذ طائرة لمصر ، بما يوحي بأن عبد الناصر استغل quot; سلطنتهم quot; ليبرمها وبشروطه!!
يحق لمقدم البرنامج او مدير الحوار أن يقدم خلفية معلوماتية تقود للسؤال، ولكنه لا يملك أن يفبرك واقعة لا تسندها أية شهادة ، ولا تستقيم مع الوقائع أو حتى منطق الأحداث .
ولا يشفع للمحاور أن ضيفه ضعيف لم يتطوع هنا لتصحيح محاوره - مع أن الضيف صححه مرارا حين وجه له السيد منصور بطلب تأكيد مقولات من هذا النوع فرد الضيف بالنفي - ذلك أن مقدم البرنامج هو من اختار الضيف ، بل quot;الشاهد quot;مما يلزم المحاور بحيدة أكبر مما لو كان البرنامج لمقارعة quot; وجهات نظرquot; .
الوقائع ، ومنها أقوال الشاهد ذاته ، تقول أن اجتماعا عقد يوم 11 يناير 1958، من ضمن الاجتماعات التي كان يعقدها سبع وعشرون ضابطا قياديا في الجيش السوري quot; لإزالة الخلافات لتحقيق الوحدة مع مصرquot; . وأنه في ذلك الاجتماع جرت quot; مناقشات طويلة عن الوحدة quot; .
وان الأمر أسفر عن تشكل وفد منهم يضم 14 ضابطا سافروا في اليوم التالي لمصر . أي أن الساعات الطوال التي اجتمع فيها الضباط في دمشق لم تمر في سكر وطوشات وسحب مسدسات، مما كان سيخلف سكارى على الأرض ومصابين في المستشفيات .
وأن الذين سافروا لمصر كانوا quot; وفدا quot; منتدبا من رفاقهم الضباط وليسوا quot; مسلطنين quot; لا يمكن أن يأتمر بأمرهم لا قائد طائرة ولا جندي واحد .
وأن عبد الناصر لم يلتق بهم ليومين ، ثم التقاهم يومي 14 ، 15 يناير مما يعني أنهم التقوه وهم بكامل وعيهم، ولم يصطدهم لأنهم وصلوا مسلطنين. بل اشترط عليهم لقبول عرضهم شرطان : أن يجري حل الأحزاب في سوريا والا يتدخل الجيش في السياسة .
وليس لضيف السيد منصور أن يخطّىء عبد الناصر لأنه لم يطلب من الضباط تكليفا من الرئيس السوري والبرلمان . فالبرلمان الممثل للشعب بصدق حينها كان قد قال رأيه بحسم منذ ثلاثة أسابيع وتحديدا يوم 21 كانون أول 57، حين قام برفع العلم المصري إلى جانب العلم السوري إلى أن تتم الوحدة التي كانت متداولة من قبل ، بدليل زيارة السادات لدمشق ، وأرسال الرئيس القوتلي وفدا لمصر يعرض وحدة فدرالية ولكن عبد الناصر أصرعلى وحدة quot;فوريةquot;.
والجيش ، مثله مثل البرلمان السوري كان قد ضاق بالسياسيين ومماطلاتهم , وكانت quot; نظرة العسكريين للأحزاب أنها تجارية تهدف للحكم وليس لديها برامجquot; حسب الشاهد القادم من قلب العسكر.
والسياسيون، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ، كانوا يعرفون الوزن الشعبي للجيش مقابل وزنهم هم، ولا يملكون محاسبة قادته التي استنكر منصور أنها لم تتم .
فذهب القوتلي إلى القاهرة في الثلاثين من يناير 58 أي بعد عودة العسكريين من مصر بأسبوعين ووقع على قرار الوحدة في الأول من شباط وأجري الإستفتاء الشعبي في 21 شباط الذي أيد الوحدة فأعلنت .
ولم يكن الأمر تغولا من العسكر وتهديدا ، بل قوة مستمدة من توافقهم مع طلب الشعب للوحدة مع مصر، رغما عن اختلافات الضباط الداخلية بحكم تسيسهم في تيارات مختلفة . فالشاهد أكد انه لم يكن باستطاعة أي من هؤلاء الضباط القيام بانقلاب عسكري وان قائد الجيش كان يحفظ التوازن .
صورة مشرفة لضباط يجسدون طموحات شعبهم وأمانيه ، ويسعون لتقوية وطنهم بالوحدة العربية وبقيادة كعبد الناصر يريدونه quot;لإعجابهم بما قام بهquot; ولا يقتتلون على الحكم ، بل يقبلون بشروط عبد الناصر الكف عن تدخل الجيش في السياسة .. بمعنى انه لو أن السياسيين أفلحوا في أداء مهماتهم لما تصدى لها الجيش .
ورغم هذا يحاول السيد منصور قلب الحقائق بإسقاط نوايا هزلية عبثية على الجيش في هكذا موقف جاد ، سائلا ضيفه إن كان العسكر قبلوا شرط عدم تدخلهم في السياسة quot; كنوع من السخرية quot; .. فجاء رد الشاهد للمرة كذا ورغم كل محاولات دفعه لتغيير أقواله وتبديلها بعروض منوعة أن الجيش قبل وسعى للوحدة ابتداء ، مثله الشعب السوري بدوافع :quot; الحمية والشعور الوطني والحماسة وقناعة بالوحدة عند الجميع بمن فيهم الحزبيين quot; .
وذكّر بأن العلاقات بين البلدين كانت قوية تاريخيا وأن هدف عبد الناصر من الوحدة quot; الفورية quot; كان التصدي لحلف بغداد الذي كان مخططا بريطانيا ، وخرجت كل الجماهير العربية تتظاهر ضده، ومنهم الأردنيون، مما أسقط الحلف في مهده.
الشاهد هو الذي قاد الانقلاب على الوحدة لا أقل، ولكن لم يتمكن السيد منصور استخلاص شهادة زور منه، وأقصى ما استخلصه هوquot; آراءquot; للشاهد منها اعتقاده أن اندفاع الشعب السوري باتجاه الوحدة هو لكونه quot;عاطفيquot; .. هذا مع أن الشعب السوري من أعرق الشعوب العربية تسيسا وأكثرهم قومية ، وقوميتهم دليل وعي سياسي بل واستراتيجي اتفق فيه الشعب مع الجيش.
وبالمناسبة الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيوش العالم تسييسا وتدخلا مباشرا في شؤون السياسة. وفي مواجهته يقف الآن كأقوى جيش عربي بعد احتلال العراق ، الجيش السوري الذي كان منذ نشأته مسيسا قوميا، ويؤمن بالوحدة وبأن مهمته الأولى هي التصدي للكيان الصهيوني .
وسوريا للآن تعقد دورات سياسية لكبار ضباطها يحاضر فيها سياسيون من مختلف أنحاء العالم العربي.












التعليقات