سعد محيو

ldquo;الحرب الأهلية في لبنان قد تبدأ في أيام ولا تحتاج إلى أسابيع وأشهر . قد تبدأ هكذا فقط . لا يمكن الشعور بالاطمئنان حيال أي شيء في لبنان إلا اذا غيرّوا النظام بكاملهrdquo; .

هكذا تحدث الرئيس بشار الأسد إلى ldquo;نيويوركرrdquo; قبل أيام . وهو حديث يستأهل التصفيق وقوفاً له .

فالنظام اللبناني في صيغته الراهنة هو بالفعل وصفة ممتازة لحروب أهلية لا تنتهي، بسبب ارتكازه على موازين قوى طائفية يؤدي أي اهتزاز فيها إلى زلزال يضرب أسس الكيان اللبناني برمته .

هذا على مستوى الدولة . أما على صعيد المجتمع المدني (أو بالأحرى الأهلي) فإن الطائفية السياسية، التي هي في أغلب الأحيان أقرب إلى الفكر الفاشي والبنية العنصرية، تتكفل بتحويل المواطنين إلى طائفيين، ثم تحوّلهم جميعاً إلى عصبة (أو عصابة) متطرفة ومغلقة وشوفينية . وهكذا ينقلب الوطن إلى أوطان، والهوية الوطنية الجامعة إلى هويات مذهبية وطائفية قاتلة (وفق تعبير أمين معلوف) .

وكما على صعيد الدولة والمجتمع، كذلك في مجال إنتاج النخب السياسية والثقافية . فالنظام الطائفي يستولد نخباً ldquo;ما قبل حديثةrdquo; في أكثرها، تتغلب لديها التقاليد القَبَلِية على مفاهيم السياسة الحديثة، ويسود ما هو طائفي على ما هو وطني، وما هو عشائري على ما هو مؤسسي . وهذا ما يجعل السياسة اللبنانية مجرد امتداد للعصبيات لا خروج منها وعليها كما يُفترض أن تكون، وكما يفرض منطق السلام الأهلي أو المدني .

الرئيس الأسد على حق إذاً في توصيفه، بغض النظر عما إذا كان لهذا التوصيف علاقة بأهداف سياسية ما، يحمل لواءها هذه الأيام رئيس مجلس النواب (المقرّب للغاية من دمشق) بطرحه مشروع إلغاء الطائفية السياسية .

لكن، وبعد قول كل شيء عن دقة التوصيف، نأتي إلى دقة المصارحة مع الرئيس الأسد:

إذا ما كان صحيحاً أن الطائفية السياسية وصفة لحروب أهلية دائمة، فما هو غير صحيح أن هذا يسحب نفسه أيضاً على الديمقراطية التوافقية، على رغم أن النظام الطائفي يتجسّد فيها . لماذا؟ لأن هذا النوع من الديمقراطية، كما دلت تجارب بلجيكا وسويسرا وغيرها من الدول التعددية، تكون المدخل الحقيقي الوحيد للتوافق على قضايا المشاركة في السلطة، وضمان الحريات، ومنع سياسة الإقصاء خاصة بالنسبة إلى الأقليات . الديمقراطية التوافقية تصبح مشكلة حين تتوقف عن النمو والنضج كي تصبح ديمقراطية كاملة .

وعلى أي حال، الديمقراطية التوافقية، وعلى رغم أنها لا تضمن السلم الأهلي، فإنها تبقى أفضل من اللاديمقراطية السلطوية التي لا تفعل شيئاً في الواقع سوى حفظ السلم الأهلي المؤقت بقوة السيف، فيما الصراعات الثقافية والدينية تغلي تحت السطح .

ثم: ثمة مكاشفة نرجو أن تفتح دمشق صدرها لها: لقد بقي لبنان تحت سلطة سوريا الفعلية زهاء ثلاثة عقود كاملة، فلماذا لم تعمل هذه الأخيرة على الأقل على دعم القوى الوطنية والعلمانية الداعية إلى تغيير النظام الطائفي؟ بل لماذا لم تنشط لاغتنام الفرصة لتوحيد البلدين اقتصادياً وثقافياً، تمهيداً لاتحاد سياسي ما؟ .

أجل . الرئيس الأسد على حق . لكن أيضاً من حق الوطنيين والعلمانيين والعروبيين اللبنانيين أن يسألوا ويُسائلوا . فقماشة المستقبل لا تُصنع إلا من نسيج الماضي، أو على الأقل من الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت خلال حياكة هذا النسيج .